الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة شرح مختصر القدوري ***
هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْعَرِيَّةِ وَهِيَ الْعَطِيَّةُ وَقِيلَ مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ وَشَنَارٌ فَعَلَى هَذَا يُقَالُ الْعَارِيَّةُ بِالتَّشْدِيدِ؛ لِأَنَّ يَاءَ النَّسَبِ مُشَدَّدَةٌ وَالْعَارَةُ لُغَةٌ فِي الْعَارِيَّةِ قَالَ الْحَرِيرِيُّ حَتَّى إنَّ بِزَّتِي هَذِهِ عَارَةٌ وَبَيْتِي لَا يَطُوفُ بِهِ فَارَةٌ أَيْ لَا يَدُورُ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَسُمِّيَتْ عَارِيَّةً لِتَعَرِّيهَا عَنْ الْعِوَضِ وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ قَابِلَةً لِلِانْتِفَاعِ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا حَتَّى لَا تَكُونَ عَارِيَّةُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ إلَّا قَرْضًا وَالْعَارِيَّةُ غَيْرُ لَازِمَةٍ حَتَّى إنَّ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا مَتَى شَاءَ وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (الْعَارِيَّةُ جَائِزَةٌ) أَيْ مُفِيدَةٌ لِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهَا نَوْعُ إحْسَانٍ وَفِعْلُ خَيْرٍ قَوْلُهُ (وَهِيَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ وَعَامَّةِ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ هِيَ إبَاحَةُ الْمَنَافِعِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ يَمْلِكُ أَنْ يُعِيرَ، وَلَوْ كَانَتْ إبَاحَةً لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُعِيرَهَا كَمَنْ أُبِيحَ لَهُ طَعَامٌ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُبِيحَهُ لِغَيْرِهِ وَجْهُ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَمْلِيكًا لَجَازَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا كَمَا قُلْنَا فِي الْإِجَارَةِ لَمَّا كَانَتْ تَمْلِيكًا لِلْمَنَافِعِ جَازَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُؤَجِّرَهَا قُلْنَا امْتِنَاعُ إجَارِهِ الْعَارِيَّةِ لَيْسَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ لَكِنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْمُعِيرَ مَلَّكَهُ الْمَنَافِعَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّهُ عَنْهَا مَتَى شَاءَ فَلَوْ جَازَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ لَتَعَلَّقَ بِالْإِجَارَةِ الِاسْتِحْقَاقُ فَقُطِعَ حَقُّ الْمُعِيرِ مِنْهَا فَلِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ تَجُزْ إجَارَتُهَا. قَوْلُهُ (وَتَصِحُّ بِقَوْلِهِ أَعَرْتُك وَأَطْعَمْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ وَمَنَحْتُك هَذَا الثَّوْبَ وَحَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةَ وَأَخْدَمْتُك هَذَا الْعَبْدَ وَدَارِي لَك سُكْنَى وَدَارِي لَك عُمْرَى سُكْنَى) أَمَّا قَوْلُهُ أَعَرْتُك فَهُوَ صَرِيحُ الْعَارِيَّةِ وَأَطْعَمْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ عَارِيَّةً أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا لَا تُطْعَمُ فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَنْفَعَةَ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ أَطْعَمْتُك هَذَا الطَّعَامَ كَانَ إبَاحَةً لِلْعَيْنِ وَقَوْلُهُ مَنَحْتُك هَذَا الثَّوْبَ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَارِيَّةِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ، وَلَوْ كَانَتْ تَقْتَضِي مِلْكَ الْعَيْنِ لَمْ يَجِبْ رَدُّهَا الْمِنْحَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْعَطِيَّةُ يُقَالُ مَنَحَهُ يَمْنَحُهُ وَيَمْنَحُهُ بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا إذَا أَعْطَاهُ شَيْئًا كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَقَوْلُهُ عُمْرَى سُكْنَى بَيَانٌ لِلْمَنْفَعَةِ وَتَوْقِيتُهَا بِعُمُرِهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ سُكْنَاهَا مُدَّةَ عُمُرِهِ وَقَوْلُهُ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةَ رَاجِعٌ إلَى مَنَحْتُك وَحَمَلْتُك فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بِهِمَا إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} وَلَمْ يَقُلْ بَيْنَ ذَلِكُمَا. قَوْلُهُ وَأَخْدَمْتُك هَذَا الْعَبْدَ صَرِيحٌ فِي تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي اسْتِخْدَامِهِ. وَقَوْلُهُ وَدَارِي لَك سُكْنَى أَيْ سُكْنَاهَا لَك. قَوْلُهُ (وَلِلْمُعِيرٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْعَارِيَّةِ مَتَى شَاءَ)؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ وَهِيَ تَحْدُثُ حَالًا فَحَالًا فَمَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ قَبْضٌ فَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ. قَوْلُهُ (وَالْعَارِيَّةُ أَمَانَةٌ إنْ هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ لَمْ يَضْمَنْ) قَالَ عَبْدُ السَّلَامِ لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ فَإِنْ شَرَطَ فِيهَا الضَّمَانَ كَانَتْ مَضْمُونَةً بِالشَّرْطِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ حِينَ اسْتَعَارَ مِنْهُ أَدْرُعًا، وَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ أَغَصْبًا تَأْخُذُهَا يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ بَلْ عَارِيَّةً مَضْمُونَةً فَأَخَذَهَا بِشَرْطِ الضَّمَانِ. وَفِي الْيَنَابِيعِ لَوْ قَالَ أَعِرْنِي دَابَّتَك أَوْ ثَوْبَك فَإِنْ ضَاعَ فَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ فَالشَّرْطُ لَغْوٌ وَلَا يَضْمَنُ. وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ وَالْإِجَارَةُ لَا يُضْمَنَانِ أَبَدًا، وَلَوْ شَرَطَ فِيهِمَا الضَّمَانَ، وَإِنَّمَا يُضْمَنَانِ بِالتَّعَدِّي كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا تَعَدَّى ضَمِنَ؛ لِأَنَّ لِلتَّعَدِّي تَأْثِيرًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ فِي الْوَدِيعَةِ ضَمِنَهَا فَعَلَى هَذَا إذَا اسْتَعَارَ دَابَّةً إلَى مَوْضِعٍ سَمَّاهُ فَجَاوَزَ بِهَا ذَلِكَ الْمَوْضِعَ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَتَنَاوَلْ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ فَصَارَ بِرُكُونِهِ فِيهِ غَاصِبًا فَلِهَذَا ضَمِنَ فَإِنْ رَجَعَ بِهَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي اسْتَعَارَهَا إلَيْهِ فَعَطِبَتْ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ. وَقَالَ زُفَرُ يَبْرَأُ اعْتِبَارًا الْوَدِيعَةِ إذَا تَعَدَّى فِيهَا الْمُودَعُ ثُمَّ أَزَالَ التَّعَدِّيَ وَلَنَا أَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ الضَّمَانُ بِالتَّعَدِّي فَلَا يَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى صَاحِبِهَا كَالْغَاصِبِ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُؤَجِّرَ مَا اسْتَعَارَهُ) فَإِنْ آجَرَهُ فَعَطِبَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ دُونَ الْإِجَارَةِ وَالشَّيْءُ لَا يَتَضَمَّنُ مَا فَوْقَهُ وَلِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَارِيَّةِ الرُّجُوعُ وَتَعَلُّقُ الْمُسْتَأْجِرِ بِهَا يَمْنَعُ ذَلِكَ فَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ فَإِنْ آجَرَهَا ضَمِنَ حِينَ سَلَّمَهَا، وَإِنْ شَاءَ الْمُعِيرُ ضَمِنَ الْمُسْتَأْجِرُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ ثُمَّ إنْ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ آجَرَ مِلْكَهُ وَإِنْ ضَمِنَ الْمُسْتَأْجِرُ رَجَعَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ عَارِيَّةٌ فِي يَدِهِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْغَرُورِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ. قَوْلُهُ (وَلَهُ أَنْ يُعِيرَهُ إذَا كَانَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ)؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ وَإِذَا كَانَتْ تَمْلِيكًا فَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا جَازَ لَهُ أَنْ يُمَلِّكَهُ عَلَى حَسَبِ مَا مَلَكَ، وَإِنَّمَا شَرْطٌ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ دَفْعًا لِمَزِيدِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُعِيرِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِاسْتِعْمَالِهِ لَا بِاسْتِعْمَالِ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعِيرَ إذَا صَدَرَتْ مُطْلَقَةً بِأَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ شَيْءٌ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ وَيُعِيرَ غَيْرَهُ لِلْحَمْلِ وَلَهُ أَنْ يَرْكَبَ وَيُرْكِبَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَطْلَقَ فَلَهُ أَنْ يُعِيرَ حَتَّى لَوْ رَكِبَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ رُكُوبُهُ، وَلَوْ أَرْكَبَ غَيْرَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ بِنَفْسِهِ حَتَّى لَوْ فَعَلَهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَيَّنَ الْإِرْكَابُ فَأَمَّا إذَا اسْتَعَارَهَا لِيَرْكَبَهَا هُوَ أَوْ اسْتَعَارَ ثَوْبًا لِيَلْبَسَهُ هُوَ فَأَرْكَبَهَا غَيْرَهُ أَوْ أَلْبَسَهُ غَيْرَهُ فَتَلِفَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ هُنَا بِرُكُوبِهِ وَلُبْسِهِ، وَإِنْ اسْتَعَارَ دَارًا لِيَسْكُنَهَا هُوَ فَأَعَارَهَا غَيْرَهُ فَسَكَنَهَا لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ الدُّورَ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ. قَوْلُهُ (وَعَارِيَّةُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ قَرْضٌ)؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ أَعْيَانِهَا، وَكَذَا الْمَعْدُودُ الَّذِي لَا يَتَفَاوَتُ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ عَارِيَّةُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ قَرْضًا إذَا أَطْلَقَ الْعَارِيَّةَ أَمَّا إذَا اسْتَعَارَهَا لِيُعَايِرَ بِهَا مِيزَانًا أَوْ يَزِينَ بِهَا دُكَّانًا كَانَتْ عَارِيَّةً لَا قَرْضًا فَإِنْ هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا اسْتَعَارَ أَرْضًا لِيَبْنِيَ فِيهَا أَوْ يَغْرِسَ نَخْلًا جَازَ وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا وَيُكَلِّفَهُ قَلْعَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ)؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ تُوجِبُ الِاسْتِرْجَاعَ فَيُكَلَّفُ تَفْرِيغُهَا قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُوقِفْ الْعَارِيَّةَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) يَعْنِي فِي نُقْصَانِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مُغْتَرٌّ غَيْرُ مَغْرُورٍ حَيْثُ اغْتَرَّ بِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَوْثِقَ مِنْهُ بِالْوَعْدِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْعَارِيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ فَلَمْ يَكُنْ مَغْرُورًا وَالرُّجُوعُ إنَّمَا يَجِبُ بِالْغُرُورِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَّتَ الْعَارِيَّة فَرَجَعَ قَبْلَ الْوَقْتِ ضَمِنَ الْمُعِيرُ مَا نَقَصَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ بِالْقَلْعِ)؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِتَوْقِيتِ الْمُدَّةِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا وَقَعَتْ الْعَارِيَّةُ وَرَجَعَ قَبْلَ الْوَقْتِ صَحَّ رُجُوعُهُ وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ خُلْفِ الْوَعْدِ وَيَضْمَنُ الْمُعِيرُ مَا نَقَصَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ بِالْقَلْعِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ حَيْثُ وَقَّتَ لَهُ، وَالظَّاهِرُ هُوَ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ يَضْمَنُ صَاحِبُ الْأَرْضِ لِلْمُسْتَعِيرِ قِيمَةَ غَرْسِهِ وَبِنَائِهِ وَيَكُونَانِ لَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُسْتَعِيرُ أَنْ يَرْفَعَهُمَا وَلَا يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُمَا فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ، وَقَالُوا إذَا كَانَ فِي الْقَلْعِ ضَرَرٌ بِالْأَرْضِ فَالْخِيَارُ إلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ أَصْلٍ وَالْمُسْتَعِيرُ صَاحِبُ تَبَعٍ وَالتَّرْجِيحُ بِالْأَصْلِ، وَإِنْ اسْتَعَارَهَا لِيَزْرَعَهَا لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ حَتَّى يَحْصُدَ الزَّرْعَ وَقَّتَ أَوْ لَمْ يُوَقِّتْ؛ لِأَنَّ لِلزَّرْعِ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَيُتْرَكُ إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ، وَإِنَّمَا يُتْرَكُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ حَتَّى لَا يَتَضَرَّرَ الْمُعِيرُ مُرَاعَاةً لِلْحَقَّيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْغَرْسُ؛ لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لَهُ. قَوْلُهُ (وَأُجْرَةُ الْعَارِيَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ)؛ لِأَنَّ الرَّدَّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ وَفِي الْوَدِيعَةِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى صَاحِبِهَا وَفِي الرَّهْنِ مُؤْنَةُ رَدِّ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَنَفَقَةُ الْمُسْتَعَارِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَعَلَفُ الدَّابَّةِ الْمُسْتَعَارَةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَالْكِسْوَةُ عَلَى الْمُعِيرِ وَلَوْ اسْتَعَارَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، وَإِنْ أَعَارَهُ مَوْلَاهُ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْمَوْلَى فَالِاسْتِعَارَةُ أَنْ يَقُولَ أَعِرْنِي عَبْدَك وَالْإِعَارَةُ أَنْ يَقُولَ الْمَوْلَى خُذْ عَبْدِي وَاسْتَخْدِمْهُ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ قَوْلُهُ (وَأُجْرَةُ رَدِّ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ)؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ التَّمْكِينُ وَالتَّخْلِيَةُ دُونَ الرَّدِّ فَإِنَّ مَنْفَعَةَ قَبْضِهِ شَامِلَةٌ لِلْمُؤَجَّرِ مَعْنًى. قَوْلُهُ (وَأُجْرَةُ رَدِّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ عَلَى الْغَاصِبِ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَالْإِعَادَةُ إلَى يَدِ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ نَقَلَهَا مِنْ مَالِكِهَا غَصْبًا. قَوْلُهُ (وَإِذَا اسْتَعَارَ دَابَّةً فَرَدَّهَا إلَى إصْطَبْلِ صَاحِبِهَا فَهَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّ إصْطَبْلَه يَدُهُ، وَلَوْ رَدَّهَا إلَى الْمَالِكِ فَالْمَالِكُ يَرُدُّهَا إلَى الْإِصْطَبْلِ وَلِأَنَّهُ أَتَى بِالتَّسْلِيمِ الْمُتَعَارَفِ وَفِي الْقِيَاسِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهَا إلَى مَالِكِهَا وَلَا إلَى وَكِيلِهِ فَكَانَ مُضَيِّعًا لَهَا وَمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً فَرَدَّهَا مَعَ عَبْدِهِ أَوْ أَجِيرِهِ لَمْ يَضْمَنْ وَالْمُرَادُ بِالْأَجِيرِ أَنْ يَكُونَ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً بِخِلَافِ الْأَجِيرِ مُيَاوَمَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ، وَكَذَا إذَا رَدَّهَا مَعَ عَبْدِ صَاحِبِ الدَّابَّةِ أَوْ أَجِيرِهِ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَرْضَى بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا رَدَّهَا إلَيْهِ فَهُوَ يَرُدُّهُ إلَى عَبْدِهِ، وَقِيلَ هَذَا فِي الْعَبْدِ الَّذِي يَقُومُ عَلَى الدَّوَابِّ وَقِيلَ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنْ رَدَّهَا مَعَ أَجْنَبِيٍّ ضَمِنَ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْإِعَارَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَعَارَ عَيْنًا فَرَدَّهَا إلَى دَارِ الْمَالِكِ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ ضَمِنَ) وَفِي نُسْخَةٍ لَمْ يَضْمَنْ وَكَذَا هُوَ فِي شَرْحِهِ لَمْ يَضْمَنْ غَيْرَ أَنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ فِي آلَاتِ الْمَنْزِلِ. وَفِي الْهِدَايَةِ إنْ اسْتَعَارَ عَبْدًا وَرَدَّهُ إلَى دَارِ الْمَالِكِ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ لَمْ يَضْمَنْ فَإِنْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا لَا يَبْرَأُ حَتَّى يَرُدَّهُ إلَى الْمُعِيرِ وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي مَتْنِ الْكِتَابِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ رَدَّ الْوَدِيعَةَ إلَى دَارِ الْمَالِكِ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ ضَمِنَ) وَكَذَا الْمَغْصُوبُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْغَاصِبِ فَسْخُ فِعْلِهِ وَذَلِكَ بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ دُونَ غَيْرِهِ الْوَدِيعَةُ لَا يَرْضَى الْمَالِكُ بِرَدِّهَا إلَى الدَّارِ وَلَا إلَى يَدِ مَنْ فِي عِيَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ارْتَضَى ذَلِكَ لَمَا أَوْدَعَهَا بِخِلَافِ الْعَوَارِيِّ؛ لِأَنَّ فِيهَا عُرْفًا حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ عَقْدَ جَوْهَرٍ لَمْ يَرُدَّهَا إلَّا إلَى الْمُعِيرِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ فِيهِ وَمَنْ أَعَارَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ يَكْتُبُ الْمُعَارُ إنَّك قَدْ أَطْعَمْتَنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَكْتُبُ أَنَّك قَدْ أَعَرْتَنِي؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ الْإِعَارَةِ مَوْضُوعَةٌ لَهُ وَالْكِتَابَةُ بِالْمَوْضُوعِ أَوْلَى كَمَا فِي إعَارَةِ الدَّارِ وَلَهُ أَنَّ لَفْظَ الْإِطْعَامِ أَدَلُّ عَلَى الْمُرَادِ؛ لِأَنَّهَا تَخُصُّ الزِّرَاعَةَ وَالْإِعَارَةُ تَنْتَظِمُ الزِّرَاعَةَ وَغَيْرَهَا كَالْبِنَاءِ وَنَحْوِهِ فَكَانَتْ الْكِتَابَةُ بِهَا أَوْلَى بِخِلَافِ الدَّارِ فَإِنَّهَا لَا تُعَارُ إلَّا لِلسُّكْنَى. (مَسَائِلُ) قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ اسْتَعَارَ دَابَّةً فَنَامَ الْمُسْتَعِيرُ فِي الْمَفَازَةِ وَمِقْوَدُهَا فِي يَدِهِ فَجَاءَ إنْسَانٌ فَقَطَعَ الْمِقْوَدَ وَذَهَبَ بِهَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَوْ مَدَّ الْمِقْوَدَ فَانْتَزَعَهُ مِنْ يَدِهِ وَلَمْ يَشْعُرْ بِذَلِكَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ غَيْرُ مُضَيِّعٍ وَهَا هُنَا مُضَيَّعٌ، وَهَذَا إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا أَمَّا إذَا نَامَ قَاعِدًا لَا يَضْمَنُ، وَلَوْ كَانَ الْمِقْوَدُ لَيْسَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضَيِّعٍ؛ لِأَنَّ الْمُودَعَ إذَا نَامَ قَاعِدًا فَسُرِقَتْ الْوَدِيعَةُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَالْمُودَعُ وَالْمُسْتَعِيرُ فِي هَذَا سَوَاءٌ نَصَّ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا السَّرَخْسِيُّ. رَجُلٌ اسْتَعَارَ كِتَابًا لِيَقْرَأَ فِيهِ فَوَجَدَ فِيهِ خَطَأً إنْ عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَ الْكِتَابِ يَكْرَهُ إصْلَاحَهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُصْلِحَهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ إصْلَاحَهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ دَلَالَةً وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِصْلَاحَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ. رَجُلٌ اسْتَعَارَ ثَوْرًا فَاسْتَعْمَلَهُ ثُمَّ تَرَكَهُ فِي الْمَرْعَى فَضَاعَ إنْ عَلِمَ أَنَّ الْمُعِيرَ يَرْضَى بِكَوْنِهِ هُنَاكَ يَرْعَى وَحْدَهُ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، رَجُلٌ طَلَبَ مِنْ آخَرَ ثَوْرًا عَارِيَّةً، فَقَالَ لَهُ غَدًا أُعْطِيك فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ أَخَذَهُ الْمُسْتَعِيرُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ وَاسْتَعْمَلَهُ وَمَاتَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَإِنْ رَدَّهُ فَمَاتَ عِنْدَ صَاحِبِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. امْرَأَةٌ أَعَارَتْ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ إنْ أَعَارَتْ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ مِمَّا يَكُونُ عَلَى أَيْدِي النِّسَاءِ عَادَةً فَضَاعَ لَا يُضْمَنُ. وَلَوْ زَلَقَ مُسْتَعِيرُ السَّرَاوِيلِ فَتَخَرَّقَ لَا يَضْمَنُ رَجُلٌ دَخَلَ الْحَمَّامَ فَاسْتَعْمَلَ آنِيَةَ الْحَمَّامِ فَانْكَسَرَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا أَعْطَاهُ صَاحِبُ الْفُقَّاعِ كُوزَ الْفُقَّاعِ لِيَشْرَبَهُ فَسَقَطَ مِنْ يَدِهِ وَانْكَسَرَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِإِذْنِهِ، وَلَوْ أَتَى إلَى سُوقِيٍّ يَبِيعُ الْآنِيَةَ وَأَخَذَ إنَاءً بِغَيْرِ إذْنِهِ لِيَنْظُرَ إلَيْهِ فَسَقَطَ مِنْ يَدِهِ فَانْكَسَرَتْ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اللَّقِيطُ اسْمٌ لِمَنْبُوذٍ مِنْ بَنِي آدَمَ نُبِذَ خَوْفًا مِنْ الْعَيْلَةِ أَوْ فِرَارًا مِنْ التُّهْمَةِ مُضَيِّعُهُ آثِمٌ وَمُحْرِزُهُ غَانِمٌ وَأَخْذُهُ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ وَسُمِّيَ لَقِيطًا بِاعْتِبَارِ مَآلِهِ لِمَا أَنَّهُ يُلْقَطُ وَالِالْتِقَاطُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْمِصْرَ وَوَاجِبٌ إذَا كَانَ فِي بَرِّيَّةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَائِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (اللَّقِيطُ حُرٌّ) أَيْ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ حَتَّى إنَّ قَاذِفَهُ يُحَدُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي بَنِي آدَمَ الْحُرِّيَّةُ وَالدَّارُ دَارُ الْإِسْلَامِ وَهِيَ دَارُ الْإِحْرَازِ، وَإِنْ ادَّعَى الْمُلْتَقِطُ أَوْ غَيْرُهُ أَنَّهُ عَبْدُهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ إذَا كَانَ عَدْلًا وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْعِتْقُ وَالتَّدْبِيرُ وَالْكِتَابَةُ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ وَمِنْهُ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْأَحْرَارِ وَيُحْكَمُ لَهُ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ مِثْلَ أَوْلَادِهِمْ وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا الْتَقَطَ لَقِيطًا فَجَاءَ بِهِ إلَى عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، فَقَالَ هُوَ حُرٌّ قَوْلُهُ (وَنَفَقَتُهُ مِثْلُ بَيْتِ الْمَالِ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَلَا قَرَابَةٌ؛ لِأَنَّ مِيرَاثَهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَعَقْلُهُ عَلَيْهِ فَكَانَتْ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ مَالِهِمْ وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَنْبُوذٍ، فَقَالَ وَجَدْته عَلَى بَابِي، فَقَالَ عُمَرُ عَسَى الْغُوَيْرُ أَبْؤُسًا نَفَقَتُهُ عَلَيْنَا وَهُوَ حُرٌّ فَقَوْلُهُ عَسَى الْغُوَيْرُ أَبْؤُسًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُمَرَ اتَّهَمَهُ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ وَأَنَّ الْبَأْسَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ وَالْغُوَيْرُ بَلَدٌ وَالْبُؤْسُ الْقَحْطُ وَالْمَنْبُوذُ الطِّفْلُ الْمَرْمِيُّ بِهِ فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ الْمُلْتَقِطُ مِنْ مَالِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى اللَّقِيطِ لِعَدَمِ وَلَايَتِهِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْقَاضِي لِيَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الْأَمْرِ مِنْ الْقَاضِي فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ قَدْ يَكُونُ لِلْحَثِّ وَالتَّرْغِيبِ، وَإِنَّمَا يَزُولُ هَذَا الِاحْتِمَالُ إذَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ الْقَاضِي وَلَكِنْ صَدَّقَهُ اللَّقِيطُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فَإِنْ أَبَى الْمُلْتَقِطُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَسَأَلَ الْقَاضِيَ أَنْ يَنْقُلَهُ عَنْهُ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَنْقُلَهُ عَنْهُ إلَى يَدِ عَدْلٍ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَقِيطٌ، وَإِنَّمَا شُرِطَتْ الْبَيِّنَةُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَابْنِهِ وَعَبْدِهِ فَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي يَطْلُبُ رَدَّهُ إلَى يَدِهِ فَالْقَاضِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّهُ إلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ أَبْقَاهُ عَلَى يَدِ الْعَدْلِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ الْتَقَطَهُ رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ يَدِهِ)؛ لِأَنَّ يَدَهُ قَدْ سَبَقَتْ إلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْزِعَهُ إلَّا لِيَدٍ هِيَ أَوْلَى مِنْ يَدِهِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ ادَّعَى مُدَّعٍ أَنَّهُ ابْنُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَدَّعِ الْمُلْتَقِطُ نَسَبَهُ أَمَّا إذَا ادَّعَاهُ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ، وَإِنْ ادَّعَاهُ غَيْرُ الْمُلْتَقِطِ أَنَّهُ ابْنُهُ فَهُوَ لِلْمُدَّعِي صَدَّقَهُ الْمُلْتَقِطُ أَوْ كَذَّبَهُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ لِلصَّبِيِّ بِمَا يَنْفَعُهُ؛ لِأَنَّهُ يَشْرُفُ بِالنَّسَبِ وَيُعَيَّرُ بِعَدَمِهِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ ادَّعَاهُ اثْنَانِ وَوَصَفَ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً فِي جَسَدِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ)؛ لِأَنَّ الْعَلَامَةَ تَدُلُّ عَلَى سَبَقِ الْيَدِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَعْرِفُ عَلَامَةَ وَلَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَصِفْ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً فَهُوَ ابْنُهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي النَّسَبِ، وَإِنْ سَبَقَتْ دَعْوَةُ أَحَدِهِمَا فَهُوَ ابْنُهُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ حَقُّهُ فِي زَمَانٍ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ إلَّا إذَا أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَقْوَى قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا ادَّعَاهُ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ وَالْآخَرُ ذِمِّيٌّ قُضِيَ بِهِ لِلْمُسْلِمِ، وَإِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ قُضِيَ بِهِ لِمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ، وَإِنْ أَقَامَاهَا جَمِيعًا قُضِيَ بِهِ لَهُمَا، وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ جَوَّزَهُ إلَى خَمْسَةٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَثْبُتُ مِنْ اثْنَيْنِ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَثْبُتُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ ادَّعَتْهُ امْرَأَةٌ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ أَوْ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ، وَإِنْ ادَّعَاهُ امْرَأَتَانِ وَأَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْعَلُ ابْنَهُمَا وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ ابْنَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِاسْتِحَالَةِ أَنْ تَلِدَ امْرَأَتَانِ وَلَدًا وَاحِدًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ إثْبَاتَ النَّسَبِ لَا يَقْتَضِي إثْبَاتَ الْوِلَادَةِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ أُخَرُ مِنْ تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ وَحَقِّ الْحَضَانَةِ وَوُجُوبِ الْإِرْثِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا وُجِدَ فِي مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهُمْ فَادَّعَى ذِمِّيٌّ أَنَّهُ ابْنُهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَكَانَ مُسْلِمًا)؛ لِأَنَّ فِي إثْبَاتِ نَسَبِهِ نَفْعًا لَهُ، وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ إلْحَاقُ ضَرَرٍ بِهِ فَمَا يُكْسِبُهُ الضَّرَرَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَمَا يَحْصُلُ لَهُ فِيهِ النَّفْعُ فَهُوَ جَائِزٌ فَصَحَّتْ دَعْوَتُهُ فِيمَا يَنْفَعُهُ دُونَ مَا يَضُرُّهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وُجِدَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ فِي بِيعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ كَانَ ذِمِّيًّا) الْبِيعَةُ لِلْيَهُودِ وَالْكَنِيسَةُ لِلنَّصَارَى، وَهَذَا الْجَوَابُ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَاجِدُ ذِمِّيًّا رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ الْوَاجِدُ مُسْلِمًا فِي هَذَا الْمَكَانِ أَوْ ذِمِّيًّا فِي مَكَانِ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفَتْ فِيهِ الرِّوَايَةُ فَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ اللَّقِيطِ اُعْتُبِرَ الْمَكَانُ وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الدَّعْوَى اُعْتُبِرَ الْإِسْلَامُ وَفِي رِوَايَةٍ أَيَّهُمَا كَانَ الْوَاجِدُ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لِقُوَّةِ الْيَدِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ اللَّقِيطَ عَبْدُهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ)؛ لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ حُرٌّ بِالظَّاهِرِ فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ بِنَفْسِ الدَّعْوَى إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ. وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَصَدَّقَهُ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ يُنْظَرُ إنْ جَرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْأَحْرَارِ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ أَوْ حَدِّ قَاذِفِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ لَا يَصِيرُ عَبْدًا بِتَصْدِيقِهِ إيَّاهُ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْأَحْرَارِ فَهُوَ عَبْدٌ لِلَّذِي ادَّعَاهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى عَبْدٌ أَنَّهُ ابْنُهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَكَانَ حُرًّا)؛ لِأَنَّا نُرَاعِي حُصُولَ الْمَنْفَعَةِ لَهُ وَثُبُوتُ النَّسَبِ أَنْفَعُ لَهُ وَكَوْنُهُ رَقِيقًا ضَرَرٌ عَلَيْهِ فَصَحَّ مَا فِيهِ نَفْعُهُ وَبَطَلَ مَا فِيهِ ضَرَرُهُ وَلِأَنَّ الْمَمْلُوكَ قَدْ تَلِدُ لَهُ الْحُرَّةُ فَلَا تَبْطُلُ الْحُرِّيَّةُ الظَّاهِرَةُ بِالشَّكِّ وَإِنْ ادَّعَاهُ مَمْلُوكَانِ فَهُوَ ابْنُهُمَا وَيَكُونُ عَبْدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُهُمَا وَيَكُونُ حُرًّا، وَلَوْ قَالَ الْمُسْلِمُ هُوَ عَبْدِي، وَقَالَ النَّصْرَانِيُّ هُوَ ابْنِي فَهُوَ ابْنُ النَّصْرَانِيِّ وَيَكُونُ حُرًّا. قَوْلُهُ (وَإِنْ وُجِدَ مَعَ اللَّقِيطِ مَالٌ مَشْدُودٌ عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُ) اعْتِبَارًا لِلظَّاهِرِ، وَكَذَا إذَا كَانَ مَشْدُودًا عَلَى دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَيْهَا. وَأَمَّا إذَا كَانَ مَوْضُوعًا بِقُرْبِهِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهِ وَيَكُونُ لُقَطَةً، وَإِنْ وُجِدَ اللَّقِيطُ عَلَى دَابَّةٍ فَهِيَ لَهُ وَحُكِيَ أَنَّ لَقِيطَةً وُجِدَتْ بِبَغْدَادَ وَعِنْدَ صَدْرِهَا رَقٌّ مَنْشُورٌ فِيهِ: وَهَذِهِ بِنْتُ شَقِيٍّ وَشَقِيَّةٍ، بِنْتُ الطَّبَاهِجَةِ وَالْقِلِّيَّة، وَمَعَهَا أَلْفُ دِينَارٍ جَعْفَرِيَّةٌ، يُشْتَرَى بِهَا جَارِيَةٌ هِنْدِيَّةٌ، وَهَذَا جَزَاءُ مَنْ لَمْ يُزَوِّجْ بِنْتَهُ وَهِيَ كَبِيرَةٌ، وَفِي رِوَايَةٍ وَهِيَ صَغِيرَةٌ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْمُلْتَقِطِ اللَّقِيطَ)؛ لِأَنَّهُ لَا وَلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْمِلْكِ وَالْقَرَابَةِ وَالسَّلْطَنَةِ وَالتَّصَرُّفِ عَلَى الصَّغِيرِ إنَّمَا هُوَ بِالْوَلَايَةِ وَلَا يُزَوِّجُهُ إلَّا الْحَاكِمُ. قَوْلُهُ (وَلَا تَصَرُّفُهُ فِي مَالِ اللَّقِيطِ) اعْتِبَارًا بِالْأُمِّ قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَ لَهُ الْهِبَةَ)؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ. قَوْلُهُ (وَيُسَلِّمُهُ فِي صِنَاعَةٍ)؛ لِأَنَّهُ بَابُ تَثْقِيفِهِ وَاسْتِجْلَابُ الْمَنَافِعِ لَهُ قَوْلُهُ (وَيُؤَجِّرُهُ) هَذِهِ رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ فَأَشْبَهَ الْعَمَّ بِخِلَافِ الْأُمِّ فَإِنَّهَا تَمْلِكُهَا، وَجِنَايَةُ اللَّقِيطِ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَمِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ لَا لِلَّذِي الْتَقَطَهُ فَإِذَا قُتِلَ اللَّقِيطُ خَطَأً فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ، وَإِنَّمَا كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ إلَّا الْمُسْلِمُونَ وَإِنْ قُتِلَ عَمْدًا فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَتَلَ الْقَاتِلَ وَإِنْ شَاءَ صَالَحَهُ عَلَى الدِّيَةِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ وَلَكِنْ يَأْخُذُ مِنْهُ الدِّيَةَ؛ لِأَنَّ وَلَايَةَ الْإِمَامِ تَثْبُتُ بِالْعَقْدِ فَهُوَ كَالْوَصِيِّ وَالْوَصِيُّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْفُوَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إسْقَاطَ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. هِيَ بِإِسْكَانِ الْقَافِ وَتَحْرِيكِهَا وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُلْتَقَطُ مِنْ الْمَالِ وَأَخْذُهَا أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهَا، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ؛ لِأَنَّ مَا سِوَاهُمَا يُخَافُ عَلَيْهِ الضَّيَاعُ وَالتَّلَفُ فَفِي أَخْذِهِ صِيَانَةٌ لَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (اللُّقَطَةُ أَمَانَةٌ إذَا أَشْهَدَ الْمُلْتَقِطُ أَنَّهُ يَأْخُذُهَا لِيَحْفَظَهَا وَيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا)؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ وَاجِبٌ إذَا خَافَ الضَّيَاعَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا تَصَادَقَا أَنَّهُ أَخَذَهَا لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا كَالْبَيِّنَةِ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهَا، وَإِنْ أَخَذَهَا وَلَمْ يُشْهِدْ، وَقَالَ أَخَذْتهَا لِلْمَالِكِ وَكَذَّبَهُ الْمَالِكُ فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَهَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَضْمَنُهَا وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ اللُّقَطَةِ يَدَّعِي عَلَيْهِ أَخْذًا مَضْمُونًا وَهُوَ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْأَخْذُ وَادَّعَى مَا يُبْرِئُهُ وَهُوَ الْأَخْذُ لِمَالِكِهِ فَلَا يَبْرَأُ، وَلَوْ أَخَذَ لُقَطَةً لِيَأْكُلَهَا أَوْ لِيَمْسِكَهَا لِنَفْسِهِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ ضَمَانِهَا حَتَّى يُؤَدِّيَهَا إلَى يَدِ صَاحِبِهَا. وَقَالَ زُفَرُ إذَا رَدَّهَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَخَذَهَا مِنْهُ بَرِيءَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَدَّهَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَخَذَهَا مِنْهُ فَأَشْبَهَ مَا إذَا أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَلَنَا أَنَّ الْأَخْذَ وَقَعَ لِنَفْسِهِ فَصَارَ غَاصِبًا وَالْغَاصِبُ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ أَوْ إلَى وَكِيلِهِ، وَكَذَا الْغَاصِبُ إذَا رَكِبَ الدَّابَّةَ لِيَرُدَّهَا إلَى صَاحِبِهَا فَتَلِفَتْ فِي ذَلِكَ الرُّكُوبِ فَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ إلَى يَدِ صَاحِبِهَا إلَّا إلَى يَدِ وَكِيلِهِ فَإِنْ أَخَذَ اللُّقَطَةَ لِيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا إنْ كَانَ لَمْ يَبْرَحْ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى رَدَّهَا فِيهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ ذَهَبَ بِهَا عَنْهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَرَدَّهَا ضَمِنَ وَيَكْفِي فِي الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ مَنْ سَمِعْتُمُوهُ يُنْشِدُ لُقَطَةً فَدُلُّوهُ عَلَيَّ سَوَاءٌ كَانَتْ اللُّقَطَةُ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَتْ جِنْسًا وَاحِدًا أَوْ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً ثُمَّ إذَا أَشْهَدَ فَجَاءَ صَاحِبُهَا يَطْلُبُهَا، فَقَالَ قَدْ هَلَكَتْ فَهُوَ مُصَدَّقٌ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ حِينَ أَشْهَدَ وَالْأَمِينُ لَا يَضْمَنُ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ وَقَوْلُهُ إذَا أَشْهَدَ الْإِشْهَادُ حَتْمٌ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُشْهِدَ أَمَّا إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُشْهِدُهُ أَوْ خَافَ إذَا أَشْهَدَ أَنْ يَأْخُذَهُ الظَّلَمَةُ فَتَرَكَ الْإِشْهَادَ لَمْ يَضْمَنْ إجْمَاعًا. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَرَّفَهَا أَيَّامًا، وَإِنْ كَانَتْ عَشَرَةً فَصَاعِدًا عَرَّفَهَا حَوْلًا كَامِلًا) وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلُهُ أَيَّامًا مَعْنَاهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى وَقَدَّرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ بِالْحَوْلِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّعْرِيفَ عَلَى قَدْرِ خَطَرِ الْمَالِ إنْ كَانَ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا عَرَّفَهَا حَوْلًا، وَإِنْ كَانَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَشَهْرًا، وَإِنْ كَانَتْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا كَانَتْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَنَحْوَهَا عَرَّفَهَا جُمُعَةً، وَإِنْ كَانَتْ دِرْهَمًا فَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَإِنْ كَانَتْ دَانِقًا فَيَوْمًا يَعْنِي إذَا كَانَ الدَّانِقُ فِضَّةً أَمَّا إذَا كَانَ ذَهَبًا فَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانَتْ كِسْرَةً أَوْ تَمْرَةً أَوْ نَحْوَهَا تَصَدَّقَ بِهَا مَكَانَهَا، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا أَكَلَهَا وَقِيلَ إنَّ هَذِهِ الْمَقَادِيرَ كُلَّهَا لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ، وَإِنَّمَا يُعَرِّفُهَا مُدَّةً يَقَعُ بِهَا التَّعْرِيفُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ثُمَّ التَّعْرِيفُ إنَّمَا يَكُونُ جَهْرًا فِي الْأَسْوَاقِ وَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَفِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ وَفِي الْمَجَامِعِ، وَإِنْ وَجَدَ اللُّقَطَةَ رَجُلَانِ عَرَّفَاهَا جَمِيعًا وَاشْتَرَكَا فِي حُكْمِهَا، وَلَوْ ضَاعَتْ اللُّقَطَةُ مِنْ يَدِ مُلْتَقِطِهَا فَوَجَدَهَا فِي يَدِ آخَرَ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ ارْتَفَعَتْ يَدُهُ، وَلَوْ كَانَا يَمْشِيَانِ فَرَأَى أَحَدُهُمَا لُقَطَةً، فَقَالَ صَاحِبُهُ هَاتِهَا فَأَخَذَهَا لِنَفْسِهِ فَهِيَ لِلْآخِذِ دُونَ الْآمِرِ وَإِذَا كَانَتْ اللُّقَطَةُ شَيْئًا يُعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا كَالنَّوَى الْمُبَدَّدِ فَإِنَّهُ يَكُونُ إبَاحَةً يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ وَلَكِنَّهُ يَبْقَى عَلَى مَالِكِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ الْتِقَاطُ السَّنَابِلِ فِي أَيَّامِ الْحَصَادِ إنْ كَانَ قَلِيلًا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَى صَاحِبِهِ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ وَإِلَّا فَلَا يَأْخُذُهُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهَا) أَمَّا إذَا جَاءَ صَاحِبُهَا وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ سَلَّمَهَا إلَيْهِ إيصَالًا لِلْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَذَلِكَ وَاجِبٌ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَجِئْ يَتَصَدَّقْ بِهَا لِيَصِلَ خَلْفُهَا إلَيْهِ وَهُوَ الثَّوَابُ عَلَى اعْتِبَارِ إجَازَتِهِ التَّصَدُّقَ بِهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا رَجَاءَ الظَّفَرِ بِصَاحِبِهَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا) يَعْنِي بَعْدَ التَّصَدُّقِ بِهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَجَازَ الصَّدَقَةَ وَلَهُ ثَوَابَهَا، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُلْتَقِطَ فَإِنْ ضَمَّنَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِهَا عَلَى الْمِسْكِينِ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّضْمِينِ مَلَكَهَا فَظَهَرَ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِمِلْكِ نَفْسِهِ فَلَهُ ثَوَابُهَا، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ أَيْضًا عَلَى الْمُلْتَقِطِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَإِذَا ضَمَّنَهَا الَّذِي تَبَرَّعَ عَلَيْهِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ الْتِقَاطُ الشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ وَالْبَعِيرِ) هَذَا إذَا خَافَ عَلَيْهِمْ التَّلَفَ وَالضَّيَاعَ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْبَلَدُ فِيهَا الْأُسْدُ وَاللُّصُوصُ، أَمَّا إذَا كَانَتْ مَأْمُونَةَ التَّلَفِ لَا يَأْخُذُهَا أَمَّا الشَّاةُ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ {خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَك أَوْ لِأَخِيك أَوْ لِلذِّئْبِ}. وَأَمَّا الْإِبِلُ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ {مَا لَك وَلَهَا مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَرْعَى الشَّجَرَ حَتَّى يَأْتِيَهَا صَاحِبُهَا فَيَأْخُذَهَا}. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ) لِقُصُورِ وَلَايَتِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَنْفَقَ بِأَمْرِهِ كَانَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى صَاحِبِهَا)؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً فِي مَالِ الْغَائِبِ نَظَرًا لَهُ، وَقَدْ يَكُونُ النَّظَرُ فِي الْإِنْفَاقِ قَوْلُهُ (وَإِذَا رَفَعَ ذَلِكَ إلَى الْحَاكِمِ نَظَرَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ لِلْبَهِيمَةِ مَنْفَعَةٌ آجَرَهَا وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ أُجْرَتِهَا)؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْقَاءَ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ إلْزَامِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَنْفَعَةٌ وَخَافَ أَنْ تَسْتَغْرِقَ النَّفَقَةُ قِيمَتَهَا بَاعَهَا وَأَمَرَ بِحِفْظِ ثَمَنِهَا) لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَاظِرٌ مُحْتَاطٌ فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ أَصْلَحَ الْأَمْرَيْنِ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْأَصْلَحُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا أَذِنَ الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ وَجَعَلَ النَّفَقَةَ دَيْنًا عَلَى مَالِكِهَا)؛ لِأَنَّهُ نَصَّبَ نَاظِرًا وَفِي هَذَا نَظَرٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَإِنَّمَا يَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى رَجَاءَ أَنْ يَظْهَرَ مَالِكُهَا فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ يَأْمُرُ بِبَيْعِهَا؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ النَّفَقَةِ مُسْتَأْصِلَةٌ فَلَا نَظَرَ فِي الْإِنْفَاقِ مُدَّةَ مَدِّ يَدِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ شَرْطٌ فِي الْأَصْلِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَصْبًا فِي يَدِهِ فَلَا يُؤْمَرُ فِيهِ بِالْإِنْفَاقِ، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ فِي الْوَدِيعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ لِكَشْفِ الْحَالِ، وَإِنْ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي يَقُولُ لَهُ الْقَاضِي أَنْفِقْ عَلَيْهَا إنْ كُنْت صَادِقًا فِيمَا قُلْت حَتَّى يَرْجِعَ عَلَى الْمَالِكِ إنْ كَانَ صَادِقًا وَلَا يَرْجِعُ إنْ كَانَ غَاصِبًا. قَوْلُهُ (فَإِذَا حَضَرَ الْمَالِكُ فَلِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهَا حَتَّى يَأْخُذَ النَّفَقَةَ مِنْهُ)؛ لِأَنَّهُ أَحْيَا مِلْكَهُ بِنَفَقَتِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ ثُمَّ لَا يَسْقُطُ دَيْنُ النَّفَقَةِ بِهَلَاكِهِ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ قَبْلَ الْحَبْسِ وَيَسْقُطُ إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْحَبْسِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالْحَبْسِ يُشْبِهُ الرَّهْنَ. قَوْلُهُ (وَلُقَطَةُ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ سَوَاءٌ) هَذَا احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّ عِنْدَهُ مَا يُلْتَقَطُ فِي الْحَرَمِ يُعَرِّفُهُ أَبَدًا إلَى أَنْ يَجِيءَ صَاحِبُهُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا حَضَرَ رَجُلٌ وَادَّعَى أَنَّ اللُّقَطَةَ لَهُ لَمْ تُدْفَعْ إلَيْهِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ)؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ فَلَا يُصَدَّقُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ إلَّا أَنَّهُ إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ جَازَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرَّفَ عِفَاصَهَا} قَوْلُهُ (فَإِنْ أَعْطَى عَلَامَتَهَا حَلَّ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يُجْبَرُ، وَالْعَلَامَةُ أَنْ يُسَمِّيَ وَزْنَ الدَّرَاهِمِ وَعَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا وَلَوْ صَدَّقَهُ قِيلَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الدَّفْعِ كَالْوَكِيلِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ وَقِيلَ يُجْبَرُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ هَا هُنَا غَيْرُ ظَاهِرٍ وَالْمُودَعُ مَالِكٌ ظَاهِرًا. قَوْلُهُ (وَلَا يَتَصَدَّقُ بِاللُّقَطَةِ عَلَى غَنِيٍّ)؛ لِأَنَّ الْأَغْنِيَاءَ لَيْسُوا بِمَحَلٍّ لِلصَّدَقَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ غَنِيًّا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا)؛ لِأَنَّهَا مَالُ الْغَيْرِ فَلَا يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِرِضَاهُ وَالْإِبَاحَةُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلصَّدَقَةِ بِالْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا)؛ لِأَنَّهُ ذُو حَاجَةٍ،. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُعَرِّفُ أَبَدًا وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ {وَلَا تَحِلُّ اللُّقَطَةُ}. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا إذَا كَانَ غَنِيًّا عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ وَزَوْجَتِهِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا إذَا كَانَ فَقِيرًا جَازَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى هَؤُلَاءِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. هُوَ اسْمٌ لِمَوْلُودٍ لَهُ فَرْجٌ وَذَكَرٌ يُورَثُ مِنْ حَيْثُ مَبَالِهِ فَإِذَا اشْتَبَهَ حَالُهُ وَرِثَ بِالْأَحْوَطِ حَتَّى يَنْكَشِفَ حَالُهُ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرْجٌ وَلَا ذَكَرٌ وَيَخْرُجُ الْحَدَثُ مِنْ دُبُرِهِ أَوْ مِنْ سُرَّتِهِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (إذَا كَانَ لِلْمَوْلُودِ فَرْجٌ وَذَكَرٌ فَهُوَ خُنْثَى فَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْ الذَّكَرِ فَهُوَ غُلَامٌ، وَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْ الْفَرْجِ فَهُوَ أُنْثَى، وَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْهُمَا وَالْبَوْلُ يَسْبِقُ مِنْ أَحَدِهِمَا يُنْسَبُ إلَى الْأَسْبَقِ)؛ لِأَنَّ السَّبْقَ مِنْ أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ وَأَنَّهُ عَدَلَ إلَى الْمَجْرَى الْآخَرِ لِعِلَّةٍ أَوْ عَارِضٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَا فِي السَّبْقِ سَوَاءً فَلَا مُعْتَبَرَ بِالْكَثْرَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ)؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ لِأَجْلِ ضِيقِ الْمَخْرَجِ وَسَعَتِهِ فَلَا دَلَالَةَ لِقِلَّتِهِ وَلَا لِكَثْرَتِهِ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُنْسَبُ إلَى أَكْثَرِهِمَا) بَوْلًا؛ لِأَنَّ كَثْرَتَهُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمَجْرَى فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَيَتَرَجَّحُ بِالْكَثْرَةِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْكَثْرَةِ قَالُوا جَمِيعًا لَا عِلْمَ لَنَا بِذَلِكَ وَهُوَ مُشْكِلٌ يَنْتَظِرُ بِهِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ. قَوْلُهُ (فَإِذَا بَلَغَ الْخُنْثَى وَخَرَجَ لَهُ لِحْيَةٌ أَوْ وَصَلَ إلَى النِّسَاءِ فَهُوَ رَجُلٌ) وَكَذَا إذَا احْتَلَمَ كَمَا يَحْتَلِمُ الرِّجَالُ أَوْ كَانَ لَهُ ثَدْيٌ مُسْتَوِي. قَوْلُهُ (وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ ثَدْيٌ كَثَدْيِ الْمَرْأَةِ أَوْ نَزَلَ لَهُ لَبَنٌ فِي ثَدْيِهِ أَوْ حَاضَ أَوْ حَبِلَ أَوْ أَمْكَنَ الْوُصُولُ إلَيْهِ مِنْ الْفَرْجِ فَهُوَ امْرَأَةٌ)؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ عَلَامَاتِ النِّسَاءِ. وَأَمَّا خُرُوجُ الْمَنِيِّ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْمَرْأَةِ كَمَا يَخْرُجُ مِنْ الرَّجُلِ كَذَا فِي شَرْحِهِ وَصُورَةُ الْحَبَلِ بِأَنْ يَتَمَسَّحَ بِخِرْقَةٍ فِيهَا مَنِيٌّ فَإِنْ قِيلَ ظُهُورُ الثَّدْيَيْنِ عَلَامَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ اللَّبَنِ قِيلَ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ قَدْ يَنْزِلُ وَلَا ثَدْيَ أَوْ يَظْهَرُ لَهُ ثَدْيٌ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ مِنْ ثَدْيِ الرَّجُلِ فَإِذَا نَزَلَ اللَّبَنُ وَقَعَ التَّمْيِيزُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ إحْدَى هَذِهِ الْعَلَامَاتِ فَهُوَ خُنْثَى مُشْكِلٌ) إنَّمَا قَالَ فَهُوَ وَلَمْ يَقُلْ فَهِيَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَنَّثَهُ يَكُونُ تَعْيِينًا لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَقِيلَ إنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّ التَّذْكِيرَ هُوَ الْأَصْلُ لَا عَلَى التَّعْيِينِ. قَوْلُهُ (فَإِذَا وَقَفَ خَلْفَ الْإِمَامِ قَامَ بَيْنَ صَفِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ يُؤْخَذُ لَهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ بِالْأَحْوَطِ فِي أُمُورِ الدِّينِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قُلْنَا يَقِفُ بَيْنَ صَفِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً فَإِذَا وَقَفَ فِي صَفِّ الرِّجَالِ أَفْسَدَ عَلَيْهِمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا فَإِذَا وَقَفَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ أَفْسَدْنَ عَلَيْهِ فَأُمِرَ بِالْوُقُوفِ بَيْنَ ذَلِكَ لِيَأْمَنَ الْأَمْرَيْنِ فَإِنْ وَقَفَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ أَعَادَ صَلَاتَهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ وَإِنْ قَامَ فِي صَفِّ الرِّجَالِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَيُعِيدُ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ وَاَلَّذِي عَنْ يَسَارِهِ وَاَلَّذِي خَلْفَهُ بِحِذَائِهِ صَلَاتَهُمْ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يُصَلِّيَ بِقِنَاعٍ وَيَجْلِسَ فِي صَلَاتِهِ كَمَا تَجْلِسُ الْمَرْأَةُ فَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِ قِنَاعٍ أُمِرَ بِالْإِعَادَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَإِنْ لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ وَيُكْرَهُ لَهُ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَالْحُلِيِّ وَأَنْ يَنْكَشِفَ قُدَّامَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَخْلُوَ بِهِ غَيْرُ مَحْرَمٍ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَأَنْ يُسَافِرَ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ مِنْ الرِّجَالِ وَإِنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ، وَقَدْ رَاهَقَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا عِلْمَ لِي بِلِبَاسِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا يُكْرَهُ لَهُ لُبْسُ الْمَخِيطِ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى يُكْرَهُ لَهُ تَرْكُهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَلْبَسُ لِبَاسَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَهُوَ امْرَأَةٌ أَفْحَشُ مِنْ لُبْسِهِ وَهُوَ رَجُلٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ وَفِي شَرْحِهِ إذَا أَحْرَمَ بَعْدَ مَا بَلَغَ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا عِلْمَ لِي بِلِبَاسِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَلْبَسُ لِبَاسَ امْرَأَةٍ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً فَسَتْرُهُ أَوْلَى مِنْ كَشْفِهِ وَيَنْبَغِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ لَمْ يُغَسِّلْهُ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ بَلْ يُيَمَّمُ فَإِنْ يَمَّمَهُ أَجْنَبِيٌّ يَمَّمَهُ بِخِرْقَةٍ، وَإِنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ يَمَّمَهُ بِغَيْرِ خِرْقَةٍ وَلَا يُقَالُ هَلَّا يُشْتَرَى لَهُ جَارِيَةٌ تُغَسِّلُهُ كَمَا قُلْتُمْ فِي الْخِتَانِ قُلْنَا الْمَيِّتُ لَا يَمْلِكُ فَالْجَارِيَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ تَكُونُ أَجْنَبِيَّةً، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ يُجْعَلُ فِي كُوَّارَةٍ وَيُغَسَّلُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ يُشْتَهَى أَمَّا إذَا كَانَ طِفْلًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُغَسِّلَهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ وَيُسْجَى قَبْرُهُ وَيُكَفَّنُ كَمَا تُكَفَّنُ الْمَرْأَةِ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ، قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ لَا يُقْتَلُ الْخُنْثَى بِالرِّدَّةِ وَيُحَدُّ فِي الْقَذْفِ فِي السَّرِقَةِ إذَا كَانَ قَدْ بَلَغَ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْبُوبِ وَقَاذِفُ الْمَجْبُوبِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا قِصَاصَ فِي أَطْرَافِهِ وَيَجِبُ فِيهِ دِيَةُ الْأُنْثَى إذَا قُتِلَ خَطَأً. قَوْلُهُ (وَتُبْتَاعُ لَهُ أَمَةٌ تَخْتِنُهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ)؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لِمَمْلُوكَتِهِ النَّظَرُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ رَجُلًا فَأَمَةُ الرَّجُلِ تَنْظُرُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَالْمَرْأَةُ تَنْظُرُ إلَى الْمَرْأَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ يُشْتَهَى أَمَّا إذَا كَانَ لَا يُشْتَهَى جَازَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَنْ يَخْتِنُوهُ قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ابْتَاعَ لَهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَمَةً تَخْتِنُهُ فَإِذَا خَتَنَتْهُ بَاعَهَا الْإِمَامُ وَرَدَّ ثَمَنَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ)؛ لِأَنَّ شِرَاءَهَا إنَّمَا هُوَ لِلْحَاجَةِ وَبَعْدَ فَرَاغِهَا زَالَتْ الْحَاجَةُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ مَاتَ أَبُوهُ وَخَلَّفَ ابْنًا وَخُنْثَى فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ لِلِابْنِ سَهْمَانِ وَلِلْخُنْثَى وَهُوَ ابْنَةُ عِنْدَهُ فِي الْمِيرَاثِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ غَيْرُ ذَلِكَ) يَعْنِي إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّ نَصِيبَ الْأُنْثَى أَكْثَرُ مِنْ نَصِيبِ الذَّكَرِ فَيُعْطَى حِينَئِذٍ نَصِيبَ ذَكَرٍ وَذَلِكَ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا إذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَوَلَدٍ خُنْثَى فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأَبَوَيْنِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْخُنْثَى خَمْسَةٌ إذْ لَوْ كَانَ أُنْثَى لَكَانَ لَهُ سِتَّةٌ وَكَانَتْ تَعُولُ الْمَسْأَلَةُ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَمِنْهَا إذَا مَاتَتْ عَنْ زَوْجٍ وَأَخٍ لِأُمٍّ وَخُنْثَى لِأَبٍ وَأُمٍّ مِنْ سِتَّةٍ لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأَخِ لِلْأُمِّ سَهْمٌ وَالْبَاقِي لِلْخُنْثَى وَهُوَ سَهْمَانِ، وَلَوْ كَانَ أُنْثَى لَهَا ثَلَاثَةٌ وَمِنْهَا إذَا مَاتَتْ عَنْ زَوْجٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَخُنْثَى لِأَبٍ مِنْ اثْنَيْنِ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ سَهْمٍ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ سَهْمٍ وَلَا شَيْءَ لِلْخُنْثَى بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى مَتَى وَرِثَ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ لَا يَرِثُ بِالشَّكِّ. قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لِلْخُنْثَى نِصْفُ مِيرَاثِ رَجُلٍ وَنِصْفُ مِيرَاثِ أُنْثَى وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ) وَاسْمُهُ عَامِرُ بْنُ شَرَحِيلَ. قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفَا فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ) يَعْنِي قَوْلَ الشَّعْبِيِّ، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعَةٍ لِلِابْنِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةٌ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الِابْنَ يَسْتَحِقُّ الْكُلَّ إذَا انْفَرَدَ وَالْخُنْثَى ثَلَاثَةَ أَرْبَاعٍ فَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا هَذَا يُضْرَبُ بِثَلَاثَةٍ وَذَاكَ بِأَرْبَعَةٍ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الِابْنِ أَرْبَعَةُ أَرْبَاعٍ وَنَصِيبُ الْخُنْثَى ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ قَوْلُهُ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ لِلِابْنِ سَبْعَةٌ وَلِلْخُنْثَى خَمْسَةٌ) وَوَجْهُهُ أَنْ يَقُولَ لَوْ كَانَ ذَكَرًا لَكَانَ لَهُ النِّصْفُ، وَلَوْ كَانَ أُنْثَى كَانَ لَهُ الثُّلُثُ فَيُعْطَى نِصْفَ النِّصْفِ وَنِصْفَ الثُّلُثِ فَيَحْتَاجُ إلَى حِسَابٍ لِنِصْفِهِ نِصْفٌ وَلِثُلُثِهِ نِصْفٌ وَأَقَلُّهُ اثْنَا عَشَرَ فَيُعْطِيهِ نِصْفَ النِّصْفِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَنِصْفُ الثُّلُثِ وَهُوَ سَهْمَانِ فَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَلِلِابْنِ سَبْعَةٌ وَطَرِيقٌ أُخْرَى أَنْ تَقُولَ لَوْ كَانَ ذَكَرًا كَانَتْ مِنْ اثْنَيْنِ، وَلَوْ كَانَ أُنْثَى كَانَتْ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَاضْرِبْ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى يَكُونُ سِتَّةً فَالنِّصْفُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ثُمَّ اقْسِمْ النِّصْفَ الثَّانِيَ بَيْنَهُمْ نِصْفَيْنِ فَيَنْكَسِرُ فَأَضْعِفْ الْفَرِيضَةَ وَهِيَ سِتَّةٌ تَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ ثُمَّ اقْسِمْ النِّصْفَ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَيَكُونُ لِلْخُنْثَى سَهْمَانِ وَلِلِابْنِ أَرْبَعَةٌ ثُمَّ اقْسِمْ النِّصْفَ الثَّانِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَيَحْصُلُ لِلْخُنْثَى ثَلَاثَةٌ إلَى هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ يَكُونُ خَمْسَةً، وَإِنْ شِئْت قُلْت لَوْ كَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا لَكَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَهُوَ أَثْلَاثٌ فَاحْتَجْت إلَى شَيْءٍ لَهُ نِصْفٌ وَثُلُثٌ وَذَلِكَ سِتَّةٌ فَفِي حَالِ الْمَالِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِلْخُنْثَى ثَلَاثَةٌ وَلِلِابْنِ ثَلَاثَةٌ وَفِي حَالِ أَثْلَاثٍ لِلْخُنْثَى سَهْمَانِ وَلِلِابْنِ أَرْبَعَةٌ فَسَهْمَانِ لِلْخُنْثَى ثَابِتَانِ بِيَقِينٍ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي السَّهْمِ الزَّائِدِ فَيَتَنَصَّفُ فَيَكُونُ لَهُ سَهْمَانِ وَنِصْفٌ فَانْكَسَرَ فَأَضْعِفْهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَثَلَاثَةٌ مِنْ سَبْعَةٍ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ؛ لِأَنَّك لَوْ زِدْت نِصْفَ السَّبْعِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْبَاعٍ يَصِيرُ نِصْفَ الْمَالِ وَالْخَمْسَةُ لَا تَصِيرُ نِصْفَ الْمَالِ إلَّا بِزِيَادَةِ سَهْمٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَذَلِكَ نِصْفُ السُّدُسِ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ السَّبْعِ فَثَبَتَ أَنَّ مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ أَنْفَعُ لِلْخُنْثَى وَالطَّرِيقُ الْوَاضِحُ أَنْ تَضْرِبَ السَّبْعَةَ فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ حَيْثُ لَا مُوَافَقَةَ بَيْنَهُمَا تَكُونُ أَرْبَعَةً وَثَمَانِينَ ثُمَّ اضْرِبْ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ سَبْعَةٍ فِي اثْنَيْ عَشَرَ فَيَكُونُ لِلْخُنْثَى سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ وَاضْرِبْ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ فِي سَبْعَةٍ وَلِلْخُنْثَى خَمْسَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ مَضْرُوبَةٌ فِي سَبْعَةٍ يَكُونُ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ فَظَهَرَ أَنَّ التَّفَاوُتَ سَهْمٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَثَمَانِينَ وَهُوَ نِصْفُ سُدُسِ سَبْعٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. هُوَ الَّذِي يَخْرُجُ فِي جِهَةٍ فَيُفْقَدُ وَلَا تُعْرَفُ جِهَتُهُ وَلَا مَوْضِعُهُ وَلَا يَسْتَبِينُ أَمْرُهُ وَلَا حَيَاتُهُ وَلَا مَوْتُهُ أَوْ يَأْسِرُهُ الْعَدُوُّ وَلَا يَسْتَبِينُ أَمْرُهُ وَلَا قَتْلُهُ وَلَا حَيَاتُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (إذَا غَابَ الرَّجُلُ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَوْضِعٌ وَلَمْ يُعْلَمْ أَحَيٌّ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ نَصَّبَ الْقَاضِي مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ وَيَقُومُ عَلَيْهِ وَيَسْتَوْفِي حُقُوقَهُ)؛ لِأَنَّهُ نَصَّبَ نَاظِرًا لِكُلِّ عَاجِزٍ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَالْمَفْقُودُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ حِفْظِ مَالِهِ فَصَارَ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَقَوْلُهُ وَيَسْتَوْفِي حُقُوقَهُ يَعْنِي الدُّيُونَ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا غَرِيمٌ مِنْ غُرَمَائِهِ وَيَسْتَوْفِي غَلَّاتِهِ يَتَقَاضَاهَا وَيُخَاصِمُ فِي دَيْنٍ وَجَبَ بِعَقْدِهِ وَلَا يُخَاصِمُ فِي الَّذِي تَوَلَّاهُ الْمَفْقُودُ وَلَا فِي نَصِيبٍ لَهُ فِي عَقَارٍ أَوْ عَرُوضٍ فِي يَدِ رَجُلٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ عَنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ مِنْهُ جِهَةَ الْقَاضِي وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ فِي الدَّيْنِ وَمَا كَانَ يُخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ مَالِ الْمَفْقُودِ أَمَرَ الْقَاضِي بِبَيْعِهِ كَالثِّمَارِ وَنَحْوِهَا وَمَا لَا يُخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ لَا يُبَاعُ لَا فِي نَفَقَةٍ وَلَا فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا وَلَايَةَ عَلَى الْغَالِبِ إلَّا فِي حِفْظِ مَالِهِ وَمَا لَا يُخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ مَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ الْمَفْقُودُ مَيِّتٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَيٌّ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ مَيِّتٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْ غَيْرِهِ لِجَوَازِ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ مُورِثِهِ فَلَا يَرِثُ بِالشَّكِّ وَحَيٌّ فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى إنَّهُ لَا يُورَثُ مِنْهُ وَلَا يُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّا عَرَفْنَا الْمَالَ لَهُ بِيَقِينٍ فَلَا يَزُولُ عَنْهُ بِالشَّكِّ، وَكَذَا لَا تَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّا عَرَفْنَا النِّكَاحَ قَائِمًا بَيْنَهُمَا فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ، وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْمَفْقُودَ حَيٌّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَيِّتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى عَكْسِ الْأَوَّلِ أَمَّا كَوْنُهُ حَيًّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَإِنَّا لَا نُزِيلُ أَمْلَاكَهُ عَنْهُ لِاسْتِصْحَابِ الْحَيَاةِ فِيهِ وَمَيِّتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى لَا نُورِثُهُ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّا لَا نَتَيَقَّنُ حَيَاتَهُ فَلَا نُوَرِّثُهُ بِالشَّكِّ. قَوْلُهُ (وَيُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ مِنْ مَالِهِ) يَعْنِي أَوْلَادَهُ الصِّغَارَ، وَكَذَا يُنْفِقُ عَلَى أَبَوَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَعَلَى جَمِيعِ قَرَابَةِ الْوَلَاءِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِي مَالِهِ حَالَ حَضْرَتِهِ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ حِينَئِذٍ يَكُونُ إعَانَةً وَكُلُّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا حَالَ حَضْرَتِهِ إلَّا بِالْقَضَاءِ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ فِي غَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ حِينَئِذٍ تَجِبُ بِالْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ فَمِنْ الْأَوْلَى الْأَوْلَادُ الصِّغَارُ وَالْإِنَاثُ مِنْ أَوْلَادِ الْكِبَارِ وَالزَّمْنَى مِنْ الذُّكُورِ الْكِبَارِ وَمِنْ الثَّانِي الْأَخُ وَالْأُخْتُ وَالْخَالُ وَالْخَالَةُ وَقَوْلُهُ مِنْ مَالِهِ يَعْنِي الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ وَالْكِسْوَةَ وَالْمَأْكُولَ فَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الدُّورِ وَالْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعَبِيدِ فَلَا يُبَاعُ إلَّا الْأَبَ فَإِنَّهُ يَبِيعُ الْمَنْقُولَ فِي النَّفَقَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَبِيعُ غَيْرَ الْمَنْقُولِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَبِيعُ شَيْئًا. قَوْلُهُ (وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ) وَقَالَ مَالِكٌ إذَا مَضَتْ أَرْبَعُ سِنِينَ يُفَرِّقُ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ ثُمَّ تَتَزَوَّجُ مَنْ شَاءَتْ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَكَذَا قَضَى فِي الَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الْجِنُّ فِي الْمَدِينَةِ وَكَفَى بِهِ إمَامًا وَقُدْوَةً وَلِأَنَّهُ مَنَعَ حَقَّهَا بِالْغَيْبَةِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ اعْتِبَارًا بِالْإِيلَاءِ وَالْعُنَّةِ وَبَعْدَ هَذَا الِاعْتِبَارِ أُخِذَ الْمِقْدَارُ مِنْهُمَا الْأَرْبَعُ مِنْ الْإِيلَاءِ وَالسِّنِينَ مِنْ الْعُنَّةِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ حَتَّى يَأْتِيَهَا الْبَيَانُ وَقَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هِيَ امْرَأَتُهُ اُبْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ حَتَّى يَسْتَبِينَ مَوْتٌ أَوْ طَلَاقٌ خَرَجَ بَيَانًا لِلْبَيَانِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَرْفُوعِ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَوْ قَضَى فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ عَلَى قَوْلِ عُمَرَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ رُجُوعُ عُمَرَ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَكَانَ الْإِمَامُ السَّمَرْقَنْدِيُّ يُفْتِي بِأَنَّهُ يَنْفُذُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ قَوْلُهُ (فَإِذَا تَمَّ لَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً مِنْ يَوْمِ وُلِدَ حَكَمْنَا بِمَوْتِهِ وَاعْتَدَّتْ امْرَأَتُهُ) هَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ يُقَدَّرُ بِمَوْتِ الْأَقْرَانِ وَفِي الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِمِائَةِ سَنَةٍ وَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِتِسْعِينَ سَنَةً فَإِذَا حُكِمَ بِمَوْتِهِ وَجَبَ عَلَى امْرَأَتِهِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ مِنْ وَقْتِ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ. قَوْلُهُ (وَقُسِّمَ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الْمَوْجُودِينَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ) كَأَنَّهُ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُعَايَنَةً. قَوْلُهُ (وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَرِثْ مِنْهُ) لِأَنَّهُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ مُبْقًى عَلَى الْحَيَاةِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَرِثُ الْمَفْقُودُ مِنْ أَحَدٍ مَاتَ فِي حَالِ فَقْدِهِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مَيِّتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلَا يَرِثُ فِي كَوْنِهِ مَيِّتًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ بَلْ يُوقَفُ نَصِيبُهُ وَلَا يُصْرَفُ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ، وَكَذَا إذَا أُوصِي لَهُ بِوَصِيَّةٍ كَانَتْ مَوْقُوفَةً؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَيِّتًا فَلَا يَصِحُّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَيًّا فَيَصِحُّ فَلِهَذَا وُقِفَتْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَالْإِبَاقُ هُوَ التَّمَرُّدُ وَالِانْطِلَاقُ وَهُوَ مِنْ سُوءِ الْأَخْلَاقِ وَرَدَاءَةِ الْأَعْرَاقِ وَرَدُّهُ إلَى مَوْلَاهُ إحْسَانٌ وَهَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إلَّا الْإِحْسَانُ وَأَخْذُ الْآبِقِ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ فِي حَقِّ مَنْ يَقْوَى عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَائِهِ قَالَ الثَّعَالِبِيُّ الْآبِقُ الْهَارِبُ مِنْ غَيْرِ ظُلْمِ السَّيِّدِ فَإِنْ هَرَبَ مِنْ الظُّلْمِ لَا يُسَمَّى آبِقًا بَلْ يُسَمَّى هَارِبًا فَعَلَى هَذَا الْإِبَاقُ عَيْبٌ وَالْهَرَبُ لَيْسَ بِعَيْبٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (إذَا أَبَقَ الْمَمْلُوكُ فَرَدَّهُ رَجُلٌ عَلَى مَوْلَاهُ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا فَلَهُ عَلَيْهِ جُعْلٌ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ إلَّا بِالشَّرْطِ. وَأَمَّا رَدُّ الْعَبْدِ الضَّالِّ أَوْ الشَّاةِ أَوْ الْبَعِيرَ فَلَا شَيْءَ فِيهِمْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ رَدُّهُ مِنْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَبِحِسَابِهِ). وَفِي الْهِدَايَةِ يُقَدَّرُ الرَّضْخُ فِي الرَّدِّ عَمَّا دُونَ الثَّلَاثَةِ بِاصْطِلَاحِهِمَا أَوْ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَقِيلَ يُقْسَمُ الْأَرْبَعُونَ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ، وَإِنْ جَاءَ بِالْآبِقِ رَجُلٌ إلَى مَوْلَاهُ فَأَنْكَرَ مَوْلَاهُ أَنْ يَكُونَ آبِقًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي بِرَدِّهِ وُجُوبِ حَقٍّ عَلَى الْمَوْلَى وَهُوَ يُنْكِرُهُ فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ آبِقٌ مِنْ مَوْلَاهُ أَوْ أَنَّ مَوْلَاهُ أَقَرَّ بِذَلِكَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَيَجِبُ الْجُعْلُ وَفِي رَدِّ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ إذَا كَانَ فِي حَيَاةِ الْمَوْلَى فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يَصِلَ بِهِمَا فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُمَا عَتَقَا بِمَوْتِهِ وَيَجِبُ الْجُعْلُ فِي رَدِّ الْمَأْذُونِ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ وَإِبَاقُهُ حَجْرٌ عَلَيْهِ وَإِنْ أَبَقَ الْمُكَاتَبُ فَرَدَّهُ رَجُلٌ عَلَى مَوْلَاهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَلَمْ يَسْتَفِدْ الْمَوْلَى بِالرَّدِّ مِلْكًا زَالَ عَنْهُ بِالْإِبَاقِ فَإِنْ كَانَ الرَّادُّ اثْنَيْنِ وَالْعَبْدُ وَاحِدًا فَجُعْلُ الْوَاحِدِ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا إذَا كَانَ السَّيِّدُ اثْنَيْنِ وَالْعَبْدُ وَاحِدًا فَالْجُعْلُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ اثْنَيْنِ وَالسَّيِّدُ وَاحِدًا فَعَلَيْهِ جُعْلَانِ وَلِمَنْ جَاءَ بِالْآبِقِ أَنْ يَمْسِكَهُ بِالْجُعْلِ فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ يَمْسِكُهُ بِالْجُعْلِ، وَكَذَا لَا جُعْلَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْجُعْلَ سَقَطَ بِالْهَلَاكِ وَإِنْ جَاءَ بِالْآبِقِ فَوَجَدَ السَّيِّدَ قَدْ مَاتَ فَالْجُعْلُ فِي تَرِكَتِهِ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ فَلَهُ الْجُعْلُ وَهُوَ أَحَقُّ بِالْعَبْدِ حَتَّى يُعْطَى الْجُعْلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ بِيعَ الْعَبْدُ وَبُدِئَ بِالْجُعْلِ ثُمَّ قُسِّمَ الْبَاقِي بَيْنَ الْغُرَمَاءِ. وَإِنْ كَانَ الرَّادُّ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَوْلَى كَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَالْخَالِ وَسَائِرِ ذَوِي الْأَرْحَامِ إنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ فَلَا جُعْلَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ فَلَهُ الْجُعْلُ، وَإِنْ وَجَدَ الرَّجُلُ عَبْدَ أَبِيهِ فَرَدَّهُ فَلَا جُعْلَ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي عِيَالِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ وَالزَّوْجُ وَإِنْ وَجَدَ الْأَبُ عَبْدَ ابْنِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ فَلَهُ الْجُعْلُ وَإِنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ فَلَا جُعْلَ لَهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا كَانَ الرَّادُّ أَبًا لِلْمَوْلَى أَوْ ابْنِهِ وَهُوَ فِي عِيَالِهِ أَوْ رَدَّهُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَلَا جُعْلَ فِيهِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَتَبَرَّعُونَ بِالرَّدِّ عَادَةً، وَإِنْ أَبَقَ عَبْدُ الصَّبِيِّ فَرَدَّهُ إنْسَانٌ فَالْجُعْلُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ. وَأَمَّا إذَا رَدَّهُ وَصِيُّهُ فَلَا جُعْلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ رَدَّهُ إلَى يَدِ نَفْسِهِ، وَإِنْ رَدَّ السُّلْطَانُ آبِقًا عَلَى مَوْلَاهُ فَلَا جُعْلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ كَالْوَصِيِّ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا قُضِيَ لَهُ بِقِيمَتِهِ إلَّا دِرْهَمًا) هَذَا قَوْلُهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجِبُ لَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ دِرْهَمًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْأَرْبَعِينَ ثَبَتَ بِالنَّصِّ فَلَا يَنْقُصُ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ حِينَ أَوْجَبُوا ذَلِكَ لَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَ قَلِيلِ الْقِيمَةِ وَكَثِيرِهَا وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ حَمْلُ الْغَيْرِ عَلَى الرَّدِّ لِيَحْيَى مَالُ الْمَالِكِ فَيَنْقُصُ دِرْهَمًا لِيَسْلَمَ لِلْمَالِكِ شَيْءٌ تَحْقِيقًا لِلْفَائِدَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَبَقَ مِنْ الَّذِي رَدَّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ لَكِنْ هَذَا إذَا أَشْهَدَ حِينَ أَخْذِهِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَائِعِ مِنْ الْمَالِكِ وَلِهَذَا إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْآبِقَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْجُعْلَ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ يَحْبِسُ الْمَبِيعَ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَلِهَذَا إذَا مَاتَ فِي يَدِهِ لَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى فِي حَالِ إبَاقِهِ وَجَاءَ بِهِ رَجُلٌ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا مِنْ الْجُعْلِ لِأَنَّ الْمِلْكَ زَالَ بِالْعِتْقِ فَصَارَ كَأَنَّهُ رَدَّ حُرًّا، وَإِنْ أَعْتَقَهُ حِينَ رَدَّهُ فَلَهُ الْجُعْلُ؛ لِأَنَّهُ بِالْعِتْقِ قَابِضٌ لَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَبَضَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ، وَكَذَا إذَا بَاعَهُ مِنْ الرَّادِّ كَانَ لَهُ الْجُعْلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ بَيْعِهِ إلَّا بَعْدَ قَبْضِهِ وَبِقَبْضِهِ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ وَلِأَنَّهُ قَدْ سَلِمَ لَهُ الْبَدَلُ وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ ثُمَّ إنْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَيْهِ حِينَ أَخَذَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَشْهَدَ صَارَ أَخْذُهُ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ ضَمِنَ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْهِدَ إذَا أَخَذَهُ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ لِيَرُدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ)؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَخْذُهُ لِنَفْسِهِ فَاشْتُرِطَتْ الشَّهَادَةُ لِتَزُولَ التُّهْمَةُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْإِشْهَادُ حَتْمٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ حَتَّى لَوْ رَدَّهُ مَنْ لَمْ يُشْهِدْ وَقْتَ الْأَخْذِ لَا جُعْلَ لَهُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْإِشْهَادِ أَمَارَةُ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ وَإِذَا جَاءَ بِالْآبِقِ إلَى مَوْلَاهُ فَوَهَبَهُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ فَلَا جُعْلَ لَهُ، وَإِنْ قَبَضَهُ ثُمَّ وَهَبَهُ فَلَهُ الْجُعْلُ، وَإِنْ أَدْخَلَهُ مِصْرَ مَوْلَاهُ فَأَبَقَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ بِهِ إلَى مَوْلَاهُ فَلَا جُعْلَ لَهُ فَإِنْ جَاءَ بِهِ رَجُلٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَلِلَّذِي جَاءَ بِهِ الْجُعْلُ إذَا رَدَّهُ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَا شَيْءَ لِلْأَوَّلِ قَالَ فِي شَرْحِهِ وَيَجُوزُ عِتْقُ الْآبِقِ عَنْ ظِهَارِهِ إذَا كَانَ حَيًّا؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَإِنَّمَا جَازَ بَيْعُهُ عَلَى مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى قَبْضِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْآبِقُ رَهْنًا فَالْجُعْلُ عَنْ الْمُرْتَهِنِ) وَإِبَاقُهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الرَّهْنِ وَالرَّدِّ فِي حَيَاةِ الرَّاهِنِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ فَبِقَدْرِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ وَالْبَاقِي عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِالْقَدْرِ الْمَضْمُونِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءً وَأَدَّى الرَّاهِنُ الْجُعْلَ قَضَاءً مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَلَوْ كَانَ الْآبِقُ أَمَةً وَمَعَهَا وَلَدٌ رَضِيعٌ فَالْجُعْلُ وَاحِدٌ وَلَا عِبْرَةَ بِالْوَلَدِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. أَرْضُ الْمَوَاتِ هِيَ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مِلْكًا لِأَحَدٍ وَلَمْ تَكُنْ مِنْ مَرَافِقِ الْبَلَدِ وَكَانَتْ خَارِجَ الْبَلَدِ قَرُبَتْ مِنْ الْبَلَدِ أَوْ بَعُدَتْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (الْمَوَاتُ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ الْأَرْضِ لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنْهُ أَوْ لِغَلَبَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ الزِّرَاعَةَ) بِأَنْ صَارَتْ سَبِخَةً أَوْ نَزِيَّةً؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ قَوْلُهُ (فَمَا كَانَ مِنْهَا عَادِيًا لَا مَالِكَ لَهُ أَوْ كَانَ مَمْلُوكًا فِي الْإِسْلَامِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مَالِكٌ بِعَيْنِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ الْقَرْيَةِ بِحَيْثُ إذَا وَقَفَ إنْسَانٌ فِي أَقْصَى الْعَامِرِ فَصَاحَ لَمْ يُسْمَعْ الصَّوْتُ مِنْهُ فَهُوَ مَوَاتٌ) الْعَادِي هُوَ مَا تَقَدَّمَ خَرَابُهُ لَا أَنَّهُ مَكَانٌ لِعَادٍ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَوَاتِ لَمْ تَكُنْ لِعَادٍ وَقَوْلُهُ إذَا وَقَفَ إنْسَانٌ فِي أَقْصَى الْعَامِرِ يَعْنِي إنْسَانًا جَهْوَرِيَّ الصَّوْتِ، وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّيْخُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ مَا لَيْسَتْ مِلْكًا لِأَحَدٍ وَلَا هِيَ مِنْ مَرَافِقِ الْبَلَدِ وَكَانَتْ خَارِجَ الْبَلَدِ سَوَاءٌ قَرُبَتْ أَوْ بَعُدَتْ فَهِيَ مَوَاتٌ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فَأَبُو يُوسُفَ اشْتَرَطَ الْبُعْدَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا يَكُونُ قَرِيبًا مِنْ الْقَرْيَةِ لَا يَنْقَطِعُ ارْتِفَاقُ أَهْلِهَا عَنْهُ وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ انْقِطَاعَ ارْتِفَاقِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ عَنْهَا حَقِيقَةً. قَوْلُهُ (مَنْ أَحْيَاهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ مَلَكَهُ، وَإِنْ أَحْيَاهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ لَمْ يَمْلِكْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَمْلِكُهُ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ {مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ} وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ {لَيْسَ لِلْمَرْءِ إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ} وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ بِدُونِ إذْنِ الْإِمَامِ كَمَالِ بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَمْلِكْهَا بِالْإِحْيَاءِ وَمَلَّكَهُ إيَّاهَا الْإِمَامُ بَعْدَ الْإِحْيَاءِ تَصِيرُ مِلْكًا لَهُ وَالْأَوْلَى لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ إذَا أَحْيَاهَا وَلَا يَسْتَرِدُّهَا مِنْهُ، وَهَذَا إذَا تَرَكَ الِاسْتِئْذَانَ جَهْلًا أَمَّا إذَا تَرَكَهُ تَهَاوُنًا بِالْإِمَامِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا زَجْرًا لَهُ فَإِذَا تَرَكَهَا لَهُ الْإِمَامُ تَرَكَهَا بِعُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ. وَفِي الْهِدَايَةِ يَجِبُ فِيهَا الْعُشْرُ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ تَوْظِيفِ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا سَقَاهَا بِمَاءِ الْخَرَاجِ حِينَئِذٍ يَكُونُ إبْقَاءُ الْخَرَاجِ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَاءِ. قَوْلُهُ (وَيَمْلِكُ الذِّمِّيُّ بِالْإِحْيَاءِ كَمَا يَمْلِكُ الْمُسْلِمُ)؛ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ سَبَبُ الْمِلْكِ إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذْنُ الْإِمَامِ مِنْ شَرْطِهِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ حَجَّرَ أَرْضًا وَلَمْ يَعْمُرْهَا ثَلَاثَ سِنِينَ أَخَذَهَا الْإِمَامُ مِنْهُ وَدَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ) حَجَّرَ بِالتَّشْدِيدِ وَيُرْوَى بِالتَّخْفِيفِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا تَرَكَ عِمَارَتَهَا ثَلَاثَ سِنِينَ فَقَدْ أَهْمَلَهَا وَالْمَقْصُودُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ إظْهَارُ عِمَارَةِ أَرَاضِيهَا تَحْصِيلًا لِمَنْفَعَةٍ الْمُسْلِمِينَ مِنْ حَيْثُ الْعُشْرُ أَوْ الْخَرَاجُ وَلِأَنَّ التَّحْجِيرَ لَيْسَ بِإِحْيَاءٍ يُمْلَكُ بِهِ، وَإِنَّمَا الْإِحْيَاءُ هُوَ الْعِمَارَةُ وَالتَّحْجِيرُ إنَّمَا هُوَ لِلْإِعْلَامِ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْلَمُونَهُ بِوَضْعِ الْحِجَارَةِ حَوْلَهُ أَوْ يَعْلَمُونَهُ بِحَجَرِ غَيْرِهِمْ عَنْ إحْيَائِهِ، وَإِنَّمَا قُدِّرَ بِثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْأَرَاضِيَ تُزْرَعُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً وَأَكْثَرَ مَا جُعِلَ لِلِارْتِيَاءِ فِي جِنْسِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الرَّغْبَةِ وَالِاخْتِيَارِ الثَّلَاثُ وَهِيَ الثَّلَاثُ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ فَإِذَا تَرَكَهَا هَذَا الْقَدْرَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَصَدَ إتْلَافَهَا وَمَوْتَهَا فَوَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ إزَالَةُ يَدِهِ عَنْهَا، وَهَذَا كُلُّهُ دِيَانَةً، أَمَّا إذَا أَحْيَاهَا غَيْرُهُ قَبْلَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ مَلَكَهَا، وَإِنَّمَا هَذَا كَالِاسْتِيَامِ فَيُكْرَهُ، وَلَوْ فَعَلَهُ جَازَ الْعَقْدُ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ إحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ وَيُتْرَكُ مَرْعًى لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ وَمَطْرَحًا لِحَصَائِدِهِمْ) وَمُحْتَطَبِهِمْ لِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِمْ إلَيْهَا فَلَا تَكُونُ مَوْتًا لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهَا. قَوْلُهُ (وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي بَرِّيَّةٍ فَلَهُ حَرِيمُهَا) مَعْنَاهُ إذَا حَفَرَ فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ بِإِذْنِ الْإِمَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِإِذْنِهِ وَغَيْرِ إذْنِهِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ حَفْرَ الْبِئْرِ إحْيَاءٌ وَلِأَنَّ حَرِيمَ الْبِئْرِ كَفِنَاءِ الدَّارِ وَصَاحِبُ الدَّارِ أَحَقُّ بِفِنَاءِ دَارِهِ، فَكَذَا حَرِيمُ الْبِئْرِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ لِلْعَطَنِ فَحَرِيمُهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا) يَعْنِي مِنْ كُلِّ جَانِبٍ أَرْبَعُونَ هُوَ الصَّحِيحُ عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ فَإِنْ كَانَ الْحَبْلُ الَّذِي يَنْزِعُ بِهِ يُجَاوِزُ الْأَرْبَعِينَ فَلَهُ مُنْتَهَى الْحَبْلِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ كَذَا فِي شَرْحِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ لِلنَّاضِحِ فَسِتُّونَ ذِرَاعًا) هَذَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَرْبَعُونَ كَمَا فِي الْعَطَنِ وَالْكَلَامُ فِي طُولِ الْحَبْلِ كَالْكَلَامِ فِي الْعَطَنِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا سِتُّونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ذَكَرَهُ الْخُجَنْدِيُّ وَالذِّرَاعُ الْمُعْتَبَرُ يَزِيدُ عَلَى ذِرَاعِ الْعَامَّةِ بِقَبْضَةٍ وَالنَّاضِحُ الْبَعِيرُ الَّذِي يُسْتَقَى عَلَيْهِ الْمَاءُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا فَحَرِيمُهَا ثَلَاثُمِائَةِ ذِرَاعٍ). وَفِي الْهِدَايَةِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ تُسْتَخْرَجُ لِلزِّرَاعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَوْضِعٍ يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ وَمِنْ حَوْضٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ وَمِنْ نَهْرٍ يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ إلَى الْمَزْرَعَةِ فَلِهَذَا قُدِّرَ بِالزِّيَادَةِ وَالتَّقْدِيرُ بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ قَوْلُهُ (وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ فِي حَرِيمِهَا بِئْرًا مُنِعَ مِنْهُ) كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْوِيتِ حَقِّهِ وَالْإِخْلَالِ بِهِ فَإِنْ حَفَرَ فَلِلْأَوَّلِ أَنْ يَكْبِسَهَا تَبَرُّعًا فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ الثَّانِيَ بِكَبْسِهَا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَفْرَهُ جِنَايَةٌ مِنْهُ كَمَا فِي الْكُنَاسَةِ يُلْقِيهَا فِي دَارِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِرَفْعِهَا وَقِيلَ يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ ثُمَّ يَكْبِسُهَا لِنَفْسِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ حَفَرَ الثَّانِيَ بِئْرًا وَرَاءَ حَرِيمِ الْأُولَى فَذَهَبَ مَاءُ الْبِئْرِ الْأُولَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي الْحَفْرِ فَلِلثَّانِي الْحَرِيمُ مِنْ الْجَوَانِبِ الثَّلَاثَةِ دُونَ الْجَانِبِ الْأَوَّلِ لِسَبْقِ مِلْكِ الْحَافِرِ الْأَوَّلِ فِيهِ وَالشَّجَرَةُ تُغْرَسُ فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ لَهَا حَرِيمٌ أَيْضًا حَتَّى لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَغْرِسَ شَجَرًا فِي حَرِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى حَرِيمٍ لِيَجِدَ فِيهِ ثَمَرَهُ وَيَضَعَهُ فِيهِ وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِخَمْسَةِ أَذْرُعٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ (مَا تَرَكَ الْفُرَاتُ أَوْ الدِّجْلَةُ وَعَدَلَ عَنْهُ الْمَاءُ فَإِنْ كَانَ يَجُوزُ عَوْدُهُ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ إحْيَاؤُهُ) لِحَاجَةِ الْعَامَّةِ إلَى كَوْنِهِ نَهْرًا قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ فَهُوَ كَالْمَوَاتِ إذَا لَمْ يَكُنْ حَرِيمًا لِعَامِرٍ يَمْلِكُهُ مَنْ أَحْيَاهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ) اشْتِرَاطُ إذْنِ الْإِمَامِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. قَوْلُهُ (وَمَنْ كَانَ لَهُ نَهْرٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ حَرِيمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَهُ مُسَنَّاةٌ يَمْشِي عَلَيْهَا وَيُلْقِي عَلَيْهَا طِينَهُ)؛ لِأَنَّ النَّهْرَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِحَرِيمٍ يُلْقِي عَلَيْهِ طِينَهُ وَيَجْتَازُ عَلَيْهِ إلَى النَّهْرِ لِيَنْظُرَ مَصَالِحَهُ فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْحَرِيمَ لَهُ وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْمَشْيِ لِيَسِيلَ الْمَاءُ عَنْهُ وَلَا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ عَادَةً فِي بَطْنِ النَّهْرِ وَلَا يُمْكِنُهُ إلْقَاءُ الطِّينِ إلَى مَكَان بَعِيدٍ إلَّا بِحَرَجٍ فَيَكُونُ لَهُ الْحَرِيمُ اعْتِبَارًا بِالْبِئْرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَرِيمَ فِي الْبِئْرِ عَرَفْنَاهُ بِالْأَثَرِ وَلِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمَاءِ فِي النَّهْرِ مُمْكِنٌ بِدُونِ الْحَرِيمِ وَلَا يُمْكِنُ فِي الْبِئْرِ إلَّا بِالِاسْتِيفَاءِ وَلَا اسْتِيفَاءَ إلَّا بِالْحَرِيمِ. وَقَوْلُهُ مُسَنَّاةٌ وَهُوَ الطَّرِيقُ وَقِيلَ هُوَ الزَّبِيرُ بِلُغَتِنَا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهُ قَدْرُ نِصْفِ بَطْنِ النَّهْرِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ قَدْرُ جَمِيعِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ أَنَّ وَلَايَةَ الْغَرْسِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لِصَاحِبِ النَّهْرِ. وَأَمَّا إلْقَاءُ طِينِ النَّهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ قَالَ بَعْضُهُمْ يَنْقُلُهُ إلَى مَوْضِعٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ لِأَحَدِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَهُ أَنْ يُلْقِيَهُ عَلَى الْمُسَنَّاةِ مَا لَمْ يَفْحُشْ. وَأَمَّا الْمُرُورُ فَقَدْ قِيلَ يُمْنَعُ مِنْهُ عِنْدَهُ وَقِيلَ لَا يُمْنَعُ لِلضَّرُورَةِ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ نَأْخُذُ بِقَوْلِهِ فِي الْغَرْسِ وَبِقَوْلِهِ مَا فِي إلْقَاءِ الطِّينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْإِذْنُ عِبَارَةٌ عَنْ فَكِّ الْحَجْرِ وَإِسْقَاطِ الْحَقِّ عِنْدَنَا وَالْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ بِأَهْلِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْإِذْنِ بَقِيَ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ بِلِسَانِهِ النَّاطِقِ وَعَقْلِهِ الْمُمَيِّزِ وَانْحِجَارِهِ عَنْ التَّصَرُّفِ لِحَقِّ الْمَوْلَى كَيْ لَا يَتَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِرَقَبَتِهِ أَوْ كَسْبِهِ وَذَلِكَ مَالُ الْمَوْلَى فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (إذَا أَذِنَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ إذْنًا عَامًّا جَازَ تَصَرُّفُهُ فِي سَائِرِ التِّجَارَاتِ) بِأَنْ يَقُولَ لَهُ أَذِنْتُ لَك فِي التِّجَارَةِ وَلَا يُقَيِّدُهُ. قَوْلُهُ (يَبِيعُ وَيَشْتَرِي يَعْنِي بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَبِنُقْصَانٍ) لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِنُقْصَانٍ يَسِيرٍ إجْمَاعًا وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّبَرُّعِ فَلَا يَنْظِمُهُ الْإِذْنُ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ فَصَارَ كَالْحُرِّ وَعَلَى هَذَا الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ لَهُ فَإِنْ حَابَى الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنْ كَانَ فَمِنْ جَمِيعِ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ فِي الْحُرِّ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَلَا وَارِثَ لِلْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُحْبَطًا بِمَا فِي يَدِهِ يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي إذْ جَمِيعُ الْمُحَابَاةِ وَإِلَّا فَارْدُدْ الْمَبِيعَ كَمَا فِي الْحُرِّ وَلَهُ أَنْ يُسْلِمَ وَيَقْبَلَ السَّلَمَ؛ لِأَنَّهُ تِجَارَةٌ وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَتَفَرَّغُ بِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ (وَيَرْهَنُ وَيَسْتَرْهِنُ)؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهَا إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ وَيَمْلِكُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأُجَرَاءَ وَالْبُيُوتَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَيَأْخُذُ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلَ الرِّبْحِ وَلَهُ أَنْ يُشَارِكَ شَرِكَةَ عِنَانً وَيَدْفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَيَأْخُذَهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ وَلَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ يَنْحَجِرُ وَلَا أَنْ يَرْهَنَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ يُحْبَسُ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْمَوْلَى، أَمَّا الْإِجَارَةُ فَلَا يَنْحَجِرُ بِهَا وَيَحْصُلُ بِهَا الْمَقْصُودُ وَهُوَ الرِّبْحُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ أَذِنَ لَهُ فِي نَوْعٍ بِعَيْنِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَهُوَ مَأْذُونٌ لَهُ فِي جَمِيعِهَا)، مِثْلُ أَنْ يَأْذَنَ فِي الْبُرِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ. وَقَالَ زُفَرُ لَا يَكُونُ مَأْذُونًا لَهُ إلَّا فِي ذَلِكَ النَّوْعِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ تَوْكِيلٌ وَإِنَابَةٌ مِنْ الْمَوْلَى، وَلَنَا أَنَّهُ إسْقَاطُ الْحَقِّ وَفَكُّ الْحَجْرِ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَظْهَرُ مَالِكِيَّةُ الْعَبْدِ فَلَا يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ غَيْرِهِ، وَإِنْ وَقَّتَ لَهُ الْإِذْنَ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَذِنْت لَك شَهْرًا فِي التِّجَارَةِ فَهُوَ مَأْذُونٌ لَهُ أَبَدًا حَتَّى يَحْجُرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ إذْنَهُ إطْلَاقٌ مِنْ حَجْرٍ فَلَا يَتَوَقَّفُ التَّصَرُّفُ فِيهِ كَالْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ، وَكَذَا إذَا رَآهُ الْمَوْلَى يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَلَمْ يَنْهَهُ وَسَكَتَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ إذْنًا؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ وَلِلْمَوْلَى حَقٌّ فِي تَصَرُّفِهِ فَصَارَ سُكُوتُهُ رِضًا بِهِ كَمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا كَانَ مُتَصَرِّفًا لِنَفْسِهِ وَلِلشَّفِيعِ حَقٌّ فِي تَصَرُّفِهِ كَانَ سُكُوتُهُ عَنْ الطَّلَبِ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ كَذَا هَذَا وَلَا يُشْبِهُ هَذَا إذَا رَأَى رَجُلًا يَبِيعُ لَهُ شَيْئًا فَسَكَتَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ سُكُوتُهُ إذْنًا فِي جَوَازِ بَيْعِهِ؛ لِأَنَّ بَائِعَ عَبْدِ غَيْرِهِ إنَّمَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بِالتَّوْكِيلِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الرِّضَا بِالتَّوْكِيلِ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ وَإِنْ قَالَ أَجِّرْ نَفْسَك أَوْ اُقْعُدْ قَصَّارًا أَوْ صَبَّاغًا فَهُوَ إذْنٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي ذَلِكَ وَفِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مِنْ التِّجَارَةِ وَذِكْرُ بَعْضِ التِّجَارَةِ إذْنٌ لَهُ فِي جَمِيعِهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ بِمَأْذُونٍ لَهُ)؛ لِأَنَّهُ اسْتِخْدَامٌ، مِثْلُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ لِلْكِسْوَةِ أَوْ طَعَامٍ لِأَهْلِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَارَ مَأْذُونًا بِهَذَا يَنْسَدُّ عَلَيْهِ بَابُ الِاسْتِخْدَامِ وَلَوْ قَالَ لَهُ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ أَذِنْتُ لَك فِي التِّجَارَةِ صَارَ مَأْذُونًا لَهُ إذَا جَاءَ غَدٌ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ وَكِيلِي فَجَاءَ غَدٌ فَإِنَّهُ يَكُونُ وَكِيلًا، وَلَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ عَزَلْتُك أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ الْمَأْذُونُ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ حَجَرْت عَلَيْك أَوْ قَالَ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ رَاجَعْتُك فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا كُلُّهُ وَلَا يَصِيرُ الْوَكِيلُ مَعْزُولًا وَلَا الْعَبْدُ مَحْجُورًا وَلَا الْمُطْلَقَةُ مُرَاجَعَةً ثُمَّ الْعَبْدُ لَا يَصِيرُ مَأْذُونًا إلَّا بِالْعِلْمِ حَتَّى لَوْ قَالَ الْمَوْلَى أَذِنْتُ لِعَبْدِي فِي التِّجَارَةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ لَا يَصِيرُ مَأْذُونًا لِلتِّجَارَةِ كَالْوَكَالَةِ، وَلَوْ قَالَ بَايِعُوا عَبْدِي فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَبَايَعُوهُ وَالْعَبْدُ لَا يَعْلَمُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْمَأْذُونِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَكُونُ مَأْذُونًا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا عَلِمَ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ لَا يَصِيرُ مَحْجُورًا وَإِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ فِي سُوقِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، إنْ أَخْبَرَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَدْلَيْنِ كَانَا أَوْ غَيْرَ عَدْلَيْنِ أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ وَامْرَأَةٌ عَدْلَةٌ صَارَ مَحْجُورًا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ وَاحِدًا غَيْرَ عَدْلٍ لَا يَصِيرُ مَحْجُورًا إلَّا إذَا صَدَّقَهُ وَعِنْدَهُمَا يَنْحَجِرُ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ أَوْ كَذَّبَهُ إذَا ظَهَرَ صِدْقُ الْخَبَرِ وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ رَسُولًا صَارَ مَحْجُورًا بِالْإِجْمَاعِ صَدَّقَهُ أَوْ كَذَّبَهُ. قَوْلُهُ (وَإِقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِالدُّيُونِ وَالْغُصُوبِ جَائِزٌ) وَكَذَا بِالْوَدَائِعِ إذَا أَقَرَّ بِاسْتِهْلَاكِهَا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ إذْ لَوْ لَمْ يَصِحَّ لَاجْتَنَبَتْ النَّاسُ مُبَايَعَتَهُ وَمُعَامَلَتَهُ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدُّيُونُ دُيُونَ التِّجَارَةِ أَمَّا الْمَهْرُ وَالْجِنَايَةُ فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَتِهِ يُسْتَوْفَى مِنْهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَلَا يُسْتَوْفَى مِنْ رَقَبَتِهِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَهْرِ مَا كَانَ مِنْ التَّزْوِيجِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى، وَلَوْ أَقَرَّ بِمَهْرِ امْرَأَةٍ وَصَدَّقَتْهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ افْتَضَّ حُرَّةً أَوْ أَمَةً بِكْرًا بِأُصْبُعِهِ فَعِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُهُ فِي الْحَالِ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمَوْلَى وَهُوَ إقْرَارٌ بِجِنَايَةٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ إقْرَارٌ بِالْمَالِ وَيُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي مَقَالَاتِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ قَالَ مَأْذُونٌ أَزَالَتْ أُصْبُعِي بِغَسْلُ يُؤْخَذُ لِلْحَالِ اسْمَعْ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِمَا إذَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِالْمَهْرِ كَمَا إذَا دَفَعَ أَجْنَبِيَّةً فَسَقَطَتْ فَذَهَبَتْ بِغَسْلُ يَجِبُ عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَلَا أَنْ يُزَوِّجَ مَمَالِيكَهُ)؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ وَالْإِذْنُ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى التِّجَارَةِ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يُجِزْهُ الْمَوْلَى فَسَدَ فَإِذَا دَخَلَ بِهَا فَالْمَهْرُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ بِسَبَبٍ غَيْرِ ثَابِتٍ فِي حَقِّ الْمَوْلَى. وَأَمَّا تَزْوِيجُهُ لِمَمَالِيكِهِ فَإِنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ لَمْ يَجُزْ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِدَلَالَةِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ رَقَبَتَهُ بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، وَإِنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَيْضًا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ الْمَالُ بِمَنَافِعِهَا فَأَشْبَهَ إجَارَتَهَا وَلَهُمَا أَنَّ التَّزْوِيجَ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُضَارِبُ وَالشَّرِيكُ شَرِكَةَ عِنَانٍ، قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي مَقَالَاتِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَمْلِكُ الْمَأْذُونُ تَزْوِيجَ الْأَمَهْ وَصَاحِبُ الْعِنَانِ وَالْمُضَارَبَهْ قُيِّدَ بِالْمَأْذُونِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ ذَلِكَ إجْمَاعًا وَقُيِّدَ بِالْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ تَزْوِيجُ الْعَبْدِ إجْمَاعًا وَقُيِّدَ بِصَاحِبِ الْعِنَانِ؛ لِأَنَّ الْمُفَاوِضَ يَمْلِكُ ذَلِكَ إجْمَاعًا. قَوْلُهُ (وَلَا يُكَاتِبُ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْبَدَلُ فِي الْكِتَابَةِ مُقَابَلٌ بِفَكِّ الْحَجْرِ فَلَمْ يَكُنْ تِجَارَةً إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْمَوْلَى وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى قَدْ مَلَّكَهُ وَيَصِيرُ الْعَبْدُ نَائِبًا عَنْهُ وَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي الْكِتَابَةِ سَفِيرٌ عَنْهُ فَإِذَا كَاتَبَ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَأَجَازَهُ الْمَوْلَى جَازَ فَمَالُ الْكِتَابَةِ لِلْمَوْلَى لَا سَبِيلَ لِلْعَبْدِ عَلَى قَبْضِهِ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ وَقَبْضُ مَالِ الْكِتَابَةِ مِنْ حُقُوقِ الْعَبْدِ فَإِنْ دَفَعَ الْمُكَاتَبُ إلَى الْعَبْدِ لَا يَبْرَأُ إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ الْمَوْلَى بِقَبْضِهَا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ وَيَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ فَإِنْ لَحِقَ الْمَأْذُونَ دَيْنٌ بَعْدَمَا أَجَازَ الْمَوْلَى فَالْكِتَابَةُ لِلْمَوْلَى لَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ فِيهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَمَّا صَحَّتْ بِالْإِجَازَةِ خَرَجَ الْعَبْدُ مِنْ كَسْبِ الْمَأْذُونِ وَصَارَ فِي يَدِ الْمَوْلَى وَمَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ قَبْلَ الدَّيْنِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ وَإِنْ كَانَ الْمَأْذُونُ كَاتَبَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ، وَإِنْ أَجَازَهَا الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي كَسْبِ الْعَبْدِ مَعَ وُجُودِ الدَّيْنِ فَلَا يَمْلِكُ إجَازَةَ الْكِتَابَةِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَعْتِقُ عَلَى مَالٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْكِتَابَةَ فَالْعِتْقُ أَوْلَى لِأَنَّ الْعِتْقَ تَبَرُّعٌ وَلَا يُقْرَضُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ {قَرْضُ مَرَّتَيْنِ صَدَقَةُ مَرَّةٍ}. قَوْلُهُ (وَلَا يَهَبُ بِعِوَضٍ وَلَا بِغَيْرِ عِوَضٍ) وَلَا يَتَصَدَّقُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَبَرُّعٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَكَفَّلَ بِالنَّفْسِ وَلَا بِالْمَالِ إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى جَازَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَمَّا إذَا كَانَ مَدْيُونًا فَلَا يَجُوزُ. وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَلَا تَجُوزُ كَفَالَتُهُ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى فَإِنْ كَفَلَ لَا يُؤَاخَذُ بِهَا فِي الْحَالِ وَيُؤَاخَذُ بِهَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَلِلْمَأْذُونِ أَنْ يُعِيرَ الدَّابَّةَ وَالثَّوْبَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَأَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَيَجُوزُ أَنْ يُشَارِكَ شَرِكَةَ عِنَانٍ؛ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْوَكَالَةِ دُونَ الْكَفَالَةِ وَهُوَ يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ وَيَتَوَكَّلَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشَارِكَ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْكَفَالَةِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُهَا وَيَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُهْدِيَ الْيَسِيرَ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ يُضَيِّفَ مَنْ يَصِلُهُ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ بِخِلَافِ الْمَحْجُورِ؛ لِأَنَّهُ لَا إذْنَ لَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ إذَا أَعْطَاهُ الْمَوْلَى قُوتَ يَوْمِهِ فَدَعَا بَعْضَ رُفَقَائِهِ عَلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ لَا بَأْسَ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْطَاهُ قُوتَ شَهْرٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَكَلُوهُ قَبْلَ الشَّهْرِ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَوْلَى قَالُوا وَلَا بَأْسَ أَنْ تَتَصَدَّقَ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ كَالرَّغِيفِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْهُ فِي الْعَادَةِ وَلَا يَجُوزُ بِالدَّرَاهِمِ وَالثِّيَابِ وَالْأَثَاثِ. قَوْلُهُ (وَدُيُونُهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِرَقَبَتِهِ يُبَاع فِيهَا لِلْغُرَمَاءِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى) وَالْمُرَادُ دَيْنُ التِّجَارَةِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالِاسْتِئْجَارِ وَضَمَانُ الْغُصُوبِ وَالْوَدَائِعِ إذَا جَحَدَهَا وَمَا يَجِبُ مِنْ الْعُقْرِ بِوَطْءِ الْمُشْتَرَاةِ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ أَوْ عَقَرَ دَابَّةً أَوْ خَرَقَ ثَوْبًا أَمَّا الدَّيْنُ الثَّابِتُ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَالْمَهْرِ وَالْجِنَايَةِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ يُسْتَوْفَى مِنْهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَقَوْلُهُ يُبَاعُ فِيهَا يَعْنِي يَبِيعُهُ الْحَاكِمُ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَبِيعَهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمَوْلَى وَلِلْغُرَمَاءِ فِيهِ حَقٌّ وَفِي بَيْعِهِ إسْقَاطُ حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَخْتَارُونَ تَرْكَ الْبَيْعِ لِيَسْتَوْفُوا مِنْ كَسْبِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَإِذَا بَاعَ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ وُقِفَ عَلَى إجَازَتِهِمْ كَمَا فِي الرَّهْنِ، وَإِنْ أَجَازَ بَعْضُهُمْ وَأَبَى بَعْضُهُمْ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى يَعْنِي يَفْدِيَهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ إذْ أَفْدَاهُ لَمْ يَبْقَ فِي رَقَبَتِهِ لِلْغُرَمَاءِ شَيْءٌ يُبَاعُ لِأَجْلِهِ قَوْلُهُ (وَيُقْسَمُ ثَمَنُهُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ) سَوَاءٌ ثَبَتَ الدَّيْنُ بِإِقْرَارِ الْعَبْدِ أَوْ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ بَقِيَ لَهُمْ دَيْنٌ لَا يُطَالَبُ بِهِ الْمَوْلَى وَلَكِنْ يَتَّبِعُونَ بِهِ الْعَبْدَ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَهَذَا إذَا بَاعَهُ الْقَاضِي أَمَّا إذَا بَاعَهُ الْمَوْلَى بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَلَهُمْ حَقُّ الْفَسْخِ إلَّا إذَا كَانَ فِي الثَّمَنِ وَفَاءٌ بِدُيُونِهِمْ أَوْ قَضَى الْمَوْلَى دَيْنَهُمْ أَوْ أَبْرَءُوا الْعَبْدَ مِنْ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ حَقَّ الْفَسْخِ وَلَيْسَ هَذَا كَالْوَصِيِّ إذَا بَاعَ التَّرِكَةَ فِي الدَّيْنِ لَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ حَقُّ الْفَسْخِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ هُنَا لِلْغُرَمَاءِ اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ فَلَهُمْ أَنْ يَفْسَخُوا الْبَيْعَ وَيَسْتَسْعُوهُ فِي دَيْنِهِمْ وَهُنَاكَ لَيْسَ لَهُمْ اسْتِسْعَاءُ التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَأْخِيرَ قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ. (مَسْأَلَةٌ) إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى عَبْدٍ دَيْنٌ فَوَهَبَهُ الْمَوْلَى مِنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَقَبِلَهُ سَقَطَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ فَإِنْ رَجَعَ الْمَوْلَى فِي هِبَتِهِ لَمْ يَعُدْ الدَّيْنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَهُ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ عَنْهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَبْرَأهُ فَهُوَ كَالنِّكَاحِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ رَجُلًا لَوْ وَهَبَ أَمَةً لِزَوْجِهَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَلَوْ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ لَمْ يَعُدْ النِّكَاحُ لِهَذَا الْمَعْنَى. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَعُودُ الدَّيْنُ عَلَى الْعَبْدِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّ الْمَوْلَى لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ أَنَّ الدَّيْنَ عَلَى الْعَبْدِ نَقْصٌ فِيهِ فَزَوَالُهُ عَنْهُ زِيَادَةٌ حَصَلَتْ وَالْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ مَتَى حَصَلَتْ فِيهَا زِيَادَةٌ فِي مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَنَعَتْ الرُّجُوعَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ دُيُونِهِ طُولِبَ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ) لِتَقَرُّرِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ وَعَدَمِ وَفَاءِ الرَّقَبَةِ بِهِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ لَمْ يَصِرْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ حَتَّى يَظْهَرَ الْحَجْرُ بَيْنَ أَهْلِ سُوقِهِ)؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا مُعْتَقِدِينَ جَوَازَ التَّصَرُّفِ مَعَهُ وَالْمُدَايَنَةَ لَهُ فَلَا يَرْتَفِعُ ذَلِكَ إلَّا بِالْعِلْمِ وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ أَكْثَرِ أَهْلِ سُوقِهِ حَتَّى لَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ فِي السُّوقِ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ لَا يَنْحَجِرُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ خُرُوجُهُ مِنْ الْإِذْنِ بِالشُّهْرَةِ وَبِالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ لَا يَشْتَهِرُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى أَوْ جُنَّ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا صَارَ الْمَأْذُونُ مَحْجُورًا)؛ لِأَنَّ بِالْمَوْتِ يَسْقُطُ الْإِذْنُ، وَكَذَا بِالْجُنُونِ إذَا كَانَ مُطْبِقًا أَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مُطْبِقٍ فَالْإِذْنُ عَلَى حَالِهِ. وَأَمَّا اللِّحَاقُ إنْ حُكِمَ بِهِ فَهُوَ كَالْمَوْتِ، وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِهِ حَتَّى رَجَعَ مُسْلِمًا فَتَصَرُّفُهُ جَائِزٌ، وَإِنْ جُنَّ الْعَبْدُ جُنُونًا مُطْبِقًا صَارَ مَحْجُورًا فَإِنْ أَفَاقَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَعُودُ إذْنُهُ، وَإِنْ جُنَّ جُنُونًا غَيْرَ مُطْبِقٍ لَا يَنْحَجِرُ، وَإِنْ ارْتَدَّ الْمَأْذُونُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ صَارَ مَحْجُورًا عِنْدَ الِارْتِدَادِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا بِاللَّحَاقِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَبَقَ الْعَبْدُ صَارَ مَحْجُورًا) فَإِنْ عَادَ مِنْ الْإِبَاقِ لَمْ يَعُدْ الْإِذْنُ عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. قَوْلُهُ (فَإِذَا حَجَرَ عَلَيْهِ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) مَعْنَاهُ أَنْ يُقِرَّ بِمَا فِي يَدِهِ أَنَّهُ وَدِيعَةٌ عِنْدِي لِفُلَانٍ أَوْ غَصَبْته مِنْهُ أَوْ يُقِرُّ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ فَيَقُولُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ فَيَقْضِي مِمَّا فِي يَدِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي شَرْحِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَا فِي يَدِهِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ قَدْ تَعَلَّقَ بِالْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ عِنْدَ الْحَجْرِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا لَزِمَتْهُ دُيُونٌ تُحِيطُ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ) لَمْ يَمْلِكْ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِهِ وَإِنْ أَعْتَقَ عَبِيدَهُ لَمْ يَعْتِقُوا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ وَيَعْتِقُ مَنْ أَعْتَقَهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مُحِيطٌ بِمَالِهِ جَازَ عِتْقُهُ إجْمَاعًا. قَوْلُهُ (وَإِذَا بَاعَ مِنْ الْمَوْلَى شَيْئًا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ) هَذَا إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْ كَسْبِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا فِي يَدِهِ لِلْمَوْلَى قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَهُ بِنُقْصَانٍ لَمْ يَجُزْ)؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إذَا بَاعَهُ بِنُقْصَانٍ يَجُوزُ وَيُخَيَّرُ الْمَوْلَى إنْ شَاءَ أَزَالَ الْمُحَابَاةَ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ وَهَذَا خِلَافُ مَا إذَا حَابَى الْأَجْنَبِيَّ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ مِنْ الْوَارِثِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهِ أَمَّا حَقُّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ لَا غَيْرُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَهُ الْمَوْلَى شَيْئًا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَقَلَّ جَازَ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ بِذَلِكَ تُهْمَةٌ قَوْلُهُ (فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ بَطَلَ الثَّمَنُ)؛ لِأَنَّهُ إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ حَصَلَ الثَّمَنُ دَيْنًا لِلْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ وَالْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ وَإِذَا بَطَلَ الثَّمَنُ صَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَمُرَادُهُ بِبُطْلَانِ الثَّمَنِ بُطْلَانُ تَسَلُّمِهِ وَالْمُطَالَبَةُ بِهِ لِلْمَوْلَى اسْتِرْجَاعُ الْمَبِيعِ، وَإِنْ بَاعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمُحَابَاةِ أَوْ نَقْضِ الْبَيْعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَمْسَكَهُ فِي يَدِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ جَازَ)؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَهُ حَقٌّ فِي الْمَبِيعِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ فَعِتْقُهُ جَائِزٌ)؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ بَاقٍ وَالْمَوْلَى ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ لِلْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ وَهِيَ رَقَبَتُهُ فَكَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُهَا وَلِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ ضَمِنَ قَدْرَ الدَّيْنِ لَا غَيْرَ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ وَالْمَوْلَى ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ وَقَوْلُهُ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ عَلِمَ بِالدَّيْنِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ اسْتِهْلَاكٍ فَاسْتَوَى فِيهِ الْعِلْمُ وَالْجَهْلُ. قَوْلُهُ (وَمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ يُطَالَبُ بِهِ الْمُعْتَقُ بَعْدَ الْعِتْقِ)؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ وَرَقَبَتِهِ، وَقَدْ ضَمِنَ الْمَوْلَى مَا أَتْلَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ رَقَبَتِهِ وَبَقِيَ فَاضِلُ دَيْنِهِمْ فِي ذِمَّتِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ الْمَأْذُونَ لَهُمَا، وَقَدْ لَزِمَتْهُمَا دُيُونٌ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْمَوْلَى شَيْئًا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِرَقَبَتِهِمَا اسْتِيفَاءً بِالْبَيْعِ فَلَمْ يَكُنْ مُتْلِفًا حَقَّهُمْ فَلَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا. قَوْلُهُ (وَإِذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ الْمَأْذُونَةُ مِنْ مَوْلَاهَا فَذَلِكَ حَجْرٌ عَلَيْهَا) خِلَافًا لِزُفَرَ فَهُوَ يَعْتَبِرُ الْبَقَاءَ بِالِابْتِدَاءِ وَنَحْنُ نَقُولُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَخُصُّهَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَيَكُونُ دَلَالَةً عَلَى الْحَجْرِ بِخِلَافِ الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ قَاضٍ عَلَى الدَّلَالَةِ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا إنْ رَكِبْتهَا دُيُونٌ لِإِتْلَافِهِ مَحَلًّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ إذْ بِهِ يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ غَيْرِ مَوْلَاهَا لَا تَنْحَجِرُ ثُمَّ يَنْظُرُ إنْ انْفَصَلَ الْوَلَدُ مِنْهَا وَلَيْسَ عَلَيْهَا دَيْنٌ فَالْوَلَدُ لِلْمَوْلَى حَتَّى لَوْ لَحِقَهَا دَيْنٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا حَقَّ لِلْغُرَمَاءِ فِيهِ، وَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ ثُبُوتِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِي دَيْنِ الْغُرَمَاءِ الَّذِينَ ثَبَتَ حَقُّهُمْ قَبْلَ الْوِلَادَةِ دُونَ الَّذِينَ ثَبَتَ حَقُّهُمْ بَعْدَ الْوِلَادَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ وَلَدِ الْجَانِيَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتْبَعُ أُمَّهُ، وَإِنْ انْفَصَلَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَيَكُونُ لِلْمَوْلَى وَيُخَاطَبُ الْمَوْلَى فِي الْأَمَةِ بَيْنَ الدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْأُولَى الدَّيْنُ ثَابِتٌ فِي رَقَبَتِهَا فَيَسْرِي إلَى وَلَدِهَا. وَأَمَّا الْجَانِيَةُ لَمْ يَثْبُتْ فِي رَقَبَتِهَا، وَإِنَّمَا يُطَالَبُ الْمَوْلَى بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَالْوَلَدُ الْمَوْلُودُ قَبْلَ الدَّيْنِ لَا يَدْخُلُ فِي الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْكَسْبِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ إذَا كَانَ قَبْلَ لُحُوقِ الدَّيْنِ إذَا لَمْ يَأْخُذْهُ الْمَوْلَى حَتَّى لَحِقَ الدَّيْنُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ لِلْغُرَمَاءِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكَسْبَ فِي يَدِهَا بِدَلَالَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ تَصَرُّفُهَا فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ الْمَوْلَى. وَأَمَّا الْوَلَدُ فَلَيْسَ هُوَ فِي يَدِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهَا فِيهِ فَصَارَ كَالْكَسْبِ الْمَأْخُوذِ مِنْهَا. قَوْلُهُ (وَإِذَا أَذِنَ وَلِي الصَّبِيِّ لِلصَّبِيِّ فِي التِّجَارَةِ فَهُوَ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ) حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ، ذِكْرُ الْوَلِيِّ يَنْتَظِمُ الْأَبَ وَالْجَدَّ عِنْدَ عَدَمِهِ وَالْوَصِيُّ وَالْقَاضِي وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ يَعْقِلُ كَوْنَ الْبَيْعِ سَالِبًا لِلْمِلْكِ جَالِيًا لِلرِّبْحِ وَالتَّشْبِيهُ بِالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ يُفِيدُ أَنَّ مَا ثَبَتَ فِي الْعَبْدِ مِنْ الْأَحْكَامِ ثَبَتَ فِي الصَّبِيِّ فَيَصِيرُ مَأْذُونًا بِالسُّكُوتِ كَمَا فِي الْعَبْدِ وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ كَسْبِهِ وَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ عَبْدِهِ وَلَا كِتَابَتَهُ كَمَا فِي الْعَبْدِ. (مَسَائِلُ) قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ كَانَ بِهَذَا الْقَوْلِ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَدَاءَ الْأَلْفِ إلَّا بِالِاكْتِسَابِ فَصَارَ مَأْذُونًا دَلَالَةً وَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ وَلَا يَعْتِقُ بِالْقَبُولِ، وَكَذَا إذَا قَالَ مَتَى أَدَّيْت إلَيَّ أَوْ مَتَى مَا أَدَّيْت إلَيَّ أَوْ حِينَ أَدَّيْت إلَيَّ أَوْ إذَا مَا أَدَّيْت إلَيَّ فَهَذَا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَكَذَا إذَا قَالَ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ حَتَّى يُؤَدِّيَ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ، وَإِنْ قَالَ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ يَعْتِقُ فِي الْحَالِ وَقِيلَ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِالْأَدَاءِ، وَإِنْ قَالَ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا أَنْتَ حُرٌّ عَتَقَ فِي الْحَالِ أَدَّى أَوْ لَمْ يُؤَدِّ، وَإِنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ يَعْتِقُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا مَا لَمْ يَقْبَلْ لَا يَعْتِقُ فَإِذَا عَتَقَ وَلَزِمَهُ الْمَالُ. وَأَمَّا إذَا قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَهَذَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَإِنْ أَدَّى فِي الْمَجْلِسِ يَعْتِقُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمَوْلَى الْأَلْفَ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ وَمَتَى خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَالِ عَتَقَ سَوَاءٌ أَخَذَ الْمَالَ أَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْمُزَارَعَةُ فِي اللُّغَةِ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الزَّرْعِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَقْدِ عَلَى الزَّرْعِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَيُسَمَّى أَيْضًا مُخَابَرَةً؛ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ خَبِيرٌ وَقِيلَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ عَقْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَهْلِ خَيْبَرَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْمُزَارَعَةُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ بَاطِلَةٌ) إنَّمَا ذَكَرَ الثُّلُثَ وَالرُّبُعَ تَبَرُّكًا بِلَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ، فَقَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ {وَمَا الْمُخَابَرَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنْ تَأْخُذَ أَرْضًا بِثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ} وَإِلَّا فَالزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَقِيلَ إنَّمَا قَيَّدَ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعَ بِاعْتِبَارِ عَادَةِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يَتَزَارَعُونَ هَكَذَا وَقَوْلُهُ بَاطِلَةٌ أَيْ فَاسِدَةٌ وَإِذَا كَانَتْ فَاسِدَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ سَقَى الْأَرْضَ وَكَرَبَهَا وَلَمْ يَخْرُجْ شَيْء فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى إجَارَةٍ فَاسِدَةٍ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِهِ فَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ وَالْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا فَاسِدَةٌ أَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ الْخَارِجِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ وَلِأَنَّ الْأَجْرَ مَعْدُومٌ أَوْ مَجْهُولٌ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ أَنْ يَرْعَى غَنَمَهُ بِبَعْضِ الْخَارِجِ مِنْهُ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هِيَ جَائِزَةٌ) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ قَدْ لَا يَجِدُ أُجْرَةً يَسْتَعْمِلُ بِهَا وَمَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَمِنْ حُجَّةِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {نَهَى عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ} فَالْمُحَاقَلَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْحَقْلِ وَهُوَ الزَّرْعُ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَيْعُ الزَّرْعِ بِالزَّرْعِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ الْمُزَارَعَةُ. وَأَمَّا الْمُزَابَنَةُ فَهُوَ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ نَخْرِصُهُ تَمْرًا. قَوْلُهُ (وَهِيَ عِنْدَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ جَازَتْ)؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ لِلْعَامِلِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَهُوَ أَصْلُ الْمُزَارَعَةِ وَلَا يُقَالُ هَلَّا بَطَلَتْ لِدُخُولِ الْبَقَرِ مَعَهُ فِي الْعَمَلِ فَنَقُولُ الْبَقَرُ غَيْرُ مُسْتَأْجَرَةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ تَابِعَةٌ لِعَمَلِ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهَا آلَةُ الْعَمَلِ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ بِإِبْرَةِ الْخَيَّاطِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَلِأَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا كَانَتْ الْإِبْرَةُ تَابِعَةً لِعَمَلِهِ وَلَيْسَ فِي مُقَابَلَتِهَا أُجْرَةٌ كَذَلِكَ هَذَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرُ وَالْبَذْرُ لِوَاحِدٍ جَازَتْ أَيْضًا) وَهَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَامِلَ مُسْتَأْجَرٌ لِلْأَرْضِ بِبَعْضٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْخَارِجِ فَيَجُوزُ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ مِنْ آخَرَ جَازَتْ أَيْضًا) وَهَذَا الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ بِآلَةِ الْمُسْتَأْجِرِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ ثَوْبَهُ بِإِبْرَتِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ وَالْبَذْرُ وَالْعَمَلُ لِوَاحِدٍ فَهِيَ بَاطِلَةٌ) وَهَذَا الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَهُوَ بَاطِلٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْبَقَرَ هَا هُنَا مُسْتَأْجَرَةٌ بِبَعْضِ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ تَابِعَةً لِلْعَمَلِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَطْ عَلَى الْعَامِلِ، وَاسْتِئْجَارُ الْبَقَرِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ لَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ إلَّا عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ)؛ لِأَنَّ جَهَالَتَهَا تُؤَدِّي إلَى الِاخْتِلَافِ فَرُبَّمَا يَدَّعِي أَحَدُهُمَا مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى مُدَّةِ الْآخَرِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ هَذَا عِنْدَ عُلَمَائِنَا بِالْكُوفَةِ فَإِنَّ مُدَّةَ الزَّرْعِ عِنْدَهُمْ مُتَفَاوِتَةٌ فَابْتِدَاؤُهَا وَانْتِهَاؤُهَا مَجْهُولٌ أَمَّا فِي بِلَادِنَا فَوَقْتُ الزِّرَاعَةِ مَعْلُومٌ فَيَجُوزُ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ وَبِهِ نَأْخُذُ. قَوْلُهُ (وَأَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا مُشَاعًا) تَحْقِيقًا لِلْمُشَارَكَةِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانًا مُسَمَّاةً فَهِيَ بَاطِلَةٌ)؛ لِأَنَّ بِهِ تَنْقَطِعُ الشَّرِكَةُ لِجَوَازِ أَنْ لَا تُخْرِجَ الْأَرْضُ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرَ فَيَسْتَحِقُّهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، وَكَذَا إذَا شَرَطَ صَاحِبُ الْبَذْرِ أَنْ يَرْفَعَ بِقَدْرِ بَذْرِهِ وَيَكُونُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا فَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي بَعْضٍ مُعَيَّنٍ أَوْ فِي جَمِيعِهِ بِأَنْ لَا تُخْرِجَ إلَّا قَدْرَ الْبَذْرِ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إذَا شَرَطَا مَا عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ وَالسَّوَّاقِي) يَعْنِي شَرَطَاهُ لِأَحَدِهِمَا فَهُوَ فَاسِدٌ وَالْمَاذِيَانَاتُ اسْمٌ عَجَمِيٌّ وَهِيَ الَّتِي تَكُونُ أَصْغَرَ مِنْ النَّهْرِ وَأَعْظَمَ مِنْ الْجَدْوَلِ وَهُوَ الْمَشْرَبُ الصَّغِيرُ الَّذِي يَسْقِي بَعْضَ الْأَرْضِ وَالسَّوَّاقِي جَمْعُ سَاقِيَةٍ وَكَأَنَّهَا الَّتِي يُسْقَى بِهَا كُلُّ الْأَرْضِ وَهِيَ فَوْقَ الْجَدْوَلِ وَقِيلَ الْمَاذِيَانَاتُ الْعُيُونُ وَهِيَ لُغَةٌ فَارِسِيَّةٌ، وَكَذَا إذَا شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا زَرْعَ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مَا يَخْرُجُ مِنْ نَاحِيَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ لِجَوَازِ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ إلَّا مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَكَذَا إذَا شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا التِّبْنَ وَلِلْآخَرِ الْحَبَّ فَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تُصِيبُهُ آفَةٌ فَلَا يَنْعَقِدُ الْحَبُّ وَلَا يَخْرُجُ إلَّا التِّبْنُ، وَكَذَا إذَا شَرَطَ التِّبْنَ نِصْفَيْنِ وَالْحَبَّ لِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْحَبُّ، وَإِنْ شَرَطَا الْحَبَّ نِصْفَيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِلتِّبْنِ صَحَّتْ الْمُزَارَعَةُ لِاشْتِرَاطِهِمَا الشَّرِكَةَ فَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ ثُمَّ التِّبْنُ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِهِ، وَقَالَ مَشَايِخُ بَلْخِي التِّبْنُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ فِيمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ الْمُتَعَاقِدَانِ وَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْحَبِّ وَالتَّبَعُ يَقُومُ بِشَرْطِ الْأَصْلِ، وَلَوْ شَرَطَا الْحَبَّ نِصْفَيْنِ وَالتِّبْنَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ صَحَّتْ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ الْعَقْدِ وَقَدْ قَالُوا إنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَ مِنْ قِبَلِهِ الْبَذْرِ أَمَّا صَاحِبُ الْبَذْرِ فَيَسْتَحِقُّ الْخَارِجَ بِبَذْرِهِ فَعَلَى هَذَا إذَا دَفَعَ أَرْضًا وَبَذْرًا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا الْعَامِلُ وَلَهُ ثُلُثُ مَا يَخْرُجُ أَوْ نِصْفُهُ وَلَمْ يُسَمِّ غَيْرَ ذَلِكَ جَازَ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى الشَّرْطِ هُوَ الَّذِي لَا بَذْرَ مِنْهُ، وَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ. وَأَمَّا إذَا سَمَّى لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَلَمْ يُسَمِّ لِلْعَامِلِ شَيْئًا فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ الْخَارِجِ صَارَ مُسْتَحِقًّا لَهُ بِالشَّرْطِ وَالْبَاقِي إذَا لَمْ يَشْرِطْهُ لِلْمُزَارِعِ يَسْتَحِقُّهُ بِبَذْرِهِ فَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ عَلَى أَنَّ لِي النِّصْفَ أَوْ الثُّلُثَ فَقُلْ بَذْلُ الْبَاقِي لِلْعَامِلِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْخَارِجِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ) هَذَا فِي الْمُزَارَعَةِ الصَّحِيحَةِ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ أَوْ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ يَجِبُ فِيهِ الْمُسَمَّى وَلَمْ يُوجَدْ الْمُسَمَّى فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فَاسِدَةً وَلَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ عَلَى الَّذِي مِنْ قِبَلِهِ الْبَذْرُ فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَهُوَ مُسْتَأْجِرٌ لِلْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَهُوَ مُسْتَأْجِرٌ لِلْعَامِلِ فَإِذَا فَسَدَتْ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى فِي الْمَنْفَعَةِ عَنْ عَقْدٍ فَاسِدٍ. قَوْلُهُ (وَإِذَا فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ) أَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُزَادُ عَلَى مَا شُرِطَ لَهُ مِنْ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِسُقُوطِ الزِّيَادَةِ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ)؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنَافِعَهَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَهَلْ يُزَادُ عَلَى مَا شُرِطَ لَهُ مِنْ الْخَارِجِ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْبَقَرِ حَتَّى فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ فَعَلَى الْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ وَالْبَقَرِ هُوَ الصَّحِيحُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا عَقَدَ الْمُزَارَعَةَ فَامْتَنَعَ صَاحِبُ الْبَذْرِ مِنْ الْعَمَلِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُضِيُّ فِي الْعَقْدِ إلَّا بِإِتْلَافِ مَالِهِ وَهُوَ الْبَذْرُ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِهَدْمِ دَارِهِ ثُمَّ بَدَا لِصَاحِبِ الدَّارِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ امْتَنَعَ الَّذِي لَيْسَ مِنْ قِبَلِهِ الْبَذْرُ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى الْعَمَلِ)؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي الْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ إلَّا إذَا كَانَ عُذْرًا تُفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةُ فَتُفْسَخُ بِهِ الْمُزَارَعَةُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَطَلَتْ الْمُزَارَعَةُ اعْتِبَارًا بِالْإِجَارَةِ) يَعْنِي مَاتَ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ أَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَهَا فَإِنْ مَاتَ صَاحِبُ الْأَرْضِ تُرِكَتْ فِي يَدِ الْعَامِلِ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ وَيُقْسَمَ عَلَى الشَّرْطِ وَإِذَا كَانَ الْمَيِّتُ هُوَ الْعَامِلُ، فَقَالَ وَرَثَتُهُ نَحْنُ نَعْمَلُ فِي الزَّرْعِ إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ وَأَبَى صَاحِبُ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الضَّرَرُ عَلَيْهِمْ فِي قَلْعِ الزَّرْعِ فَوَجَبَ تَبْقِيَتُهُ وَلَا أَجْرَ لَهُمْ فِيمَا عَمِلُوا، وَإِنْ أَرَادُوا قَلْعَ الزَّرْعِ لَمْ يُجْبَرُوا عَلَى الْعَمَلِ وَقِيلَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَقْلِعْهُ فَيَكُونُ بَيْنَكُمْ أَوْ أُعْطِهِمْ قِيمَةَ حِصَّتِهِمْ وَالزَّرْعُ كُلُّهُ لَك أَوْ أَنْفِقْ عَلَى حِصَّتِهِمْ وَتَعُودُ بِنَفَقَتِك فِي حِصَّتِهِمْ. قَوْلُهُ (وَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمُزَارَعَةِ وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرَكْ كَانَ عَلَى الْمُزَارِعِ أَجْرُ مِثْلِ نَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الزَّرْعِ عَلَيْهِمَا عَلَى مِقْدَارِ حُقُوقِهِمَا)؛ لِأَنَّ فِي تَبْقِيَةِ الْعَقْدِ إيفَاءُ الْحَقَّيْنِ وَفِي فَسْخِهِ إلْحَاقُ ضَرَرٍ بِأَحَدِهِمَا فَكَأَنَّ تَبْقِيَتَهُ إلَى الْحَصَادِ أَوْلَى وَيَكُونُ الْعَمَلُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْتَهَى بِانْتِهَاءِ الْمُدَّةِ، وَهَذَا عَمَلٌ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ حَيْثُ يَكُونُ الْعَمَلُ فِيهِ عَلَى الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ بَقَّيْنَا الْعَمَلَ فِي مُدَّتِهِ وَالْعَقْدُ يَسْتَدْعِي الْعَمَلَ عَلَى الْعَامِلِ أَمَّا هُنَا الْعَقْدُ قَدْ انْتَهَى فَلَمْ يَكُنْ هَذَا إبْقَاءَ ذَلِكَ الْعَقْدِ فَلَمْ يَخْتَصَّ الْعَامِلُ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الزَّرْعِ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمَا وَذَلِكَ مِثْلُ أَجْرِ سَقْيِ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَمَّا إذَا لَمْ تَنْقَضِ فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ خَاصَّةً. قَوْلُهُ (وَأُجْرَةُ الْحَصَادِ وَالرِّفَاعِ وَالدِّيَاسِ وَالتَّذْرِيَةِ عَلَيْهِمَا بِالْحِصَصِ) وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَاهُ قَصِيلًا وَيَبِيعَاهُ فَالْحَصَادُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ شَرَطَاهُ فِي الْمُزَارَعَةِ عَلَى الْعَامِلِ فَسَدَتْ) يَعْنِي الْحَصَادَ وَالدِّيَاسَ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَلْزَمَا الْمُزَارِعَ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ عَلَى الزَّرْعِ إلَى أَنْ يُدْرَكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ شَرْطُ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ لِلتَّعَامُلِ وَهُوَ اخْتِيَاُ مَشَايِخِ بَلْخِي قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي دِيَارِنَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ مِثْلَ السَّقْيِ وَالْحِفْظِ فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ وَمَا كَانَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ عَلَيْهِمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَأَشْبَاهِهِ وَمَا كَانَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ عَلَيْهِمَا نَحْوُ الْحَمْلِ وَالْحِفْظِ وَالْمُسَاقَاةِ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فَمَا كَانَ قَبْلَ إدْرَاكِ الثَّمَرِ مِنْ السَّقْيِ وَالتَّلْقِيحِ وَالْحِفْظِ فَعَلَى الْعَامِلِ وَمَا كَانَ بَعْدَهُ كَالْجِدَادِ وَالْحِفْظِ فَهُوَ عَلَيْهِمَا فَإِنْ شَرَطَا الْجِدَادَ عَلَى الْعَامِلِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا عُرْفَ فِيهِ وَإِنْ شَرَطَا الْحَصَادَ فِي الزَّرْعِ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
|